للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَيَسْتَمِرُّ الْإِنْفَاقُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ مَالِهِ (حَتَّى تُقَسَّمَ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ مَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ.

(وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَلَوْ احْتَاجَهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (وَمَرْكُوبُهُ) وَلَوْ احْتَاجَهُ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ سَهْلٌ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُفَارِقُ الْكَفَّارَةُ الْمُرَتَّبَةَ حَيْثُ يَعْدِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ إلَى الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا إلَى الْإِعْتَاقِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ، وَالدَّيْنُ بِخِلَافِهِ وَبِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ - تَعَالَى - مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ احْتَاجَهُ مُوفٍ بِقَوْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَبِمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: وَلَوْ احْتَاجَهُمَا كَانَ أَوْلَى، وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ احْتَاجَهَا وَيُؤَخِّرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَمَرْكُوبِهِ (وَيَتْرُكُ لَهُ) إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ فِي مَالِهِ (أَوْ يَشْتَرِي) لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ (دُسَتَ ثَوْبٍ لَائِقٍ) بِهِ مِمَّا يَعْتَادُهُ (مِنْ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَمِنْدِيلٍ وَمُكَعَّبٍ) أَيْ مَدَاسٍ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمَنْعَلٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ وَهَمٌ (وَيُزَادُ جُبَّةً) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ فَرْوَةٍ (فِي الشِّتَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُ غَالِبًا وَذَكَرَ الْمِنْدِيلَ فِي زِيَادَتِهِ (وَيُتْرَكُ لَهُ عِمَامَةٌ وَطَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ يَلْبَسُهَا (فَوْقَ الْقَمِيصِ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَلِيقُ بِهِ (إنْ لَاقَتْ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ (بِهِ) لِئَلَّا يَحْصُلَ الْإِرْدَاءُ بِمَنْصِبِهِ، وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسُكُوتُهُمْ عَمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَيُقَالُ لِمَا تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةُ وَكَأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِ الْعِمَامَةِ عَنْ ذِكْرِهِ.

ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ ذَكَرَ أَنَّهُ تُتْرَكُ لَهُ الْقَلَنْسُوَةُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَمِثْلُهُ تِكَّةُ السَّرَاوِيلِ اهـ (وَيُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ) بِهِ حَالَ إفْلَاسِهِ (أَنْ تَعُودَ) قَبْلَهُ (الْأَشْرَفُ فِي اللُّبْسِ) أَيْ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِهِ (لَا) أَنْ تَعُودَ قَبْلَهُ (التَّقْتِيرُ) فَلَا يُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ بَلْ إلَى مَا تَعَوَّدَهُ مِنْ التَّقْتِيرِ (وَيُتْرَكُ لِعِيَالِهِ مِنْ الثَّوْبِ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا تُرِكَ لَهُ (وَيُبَاعُ الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ وَيُتَسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبْدٍ حَقِيرَيْنِ) أَيْ قَلِيلَيْ الْقِيمَةِ (وَيُتْرَكُ لَهُمْ) أَيْضًا (قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ وَسُكْنَاهُ) وَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ وَلِأَنَّ حُقُوقَهُمْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ أَصْلًا وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْيَوْمِ لَيْلَتَهُ أَيْ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعْدَهُ (وَ) يُتْرَكُ (مَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ قَبْلَهُ مُقَدَّمًا) بِهِ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ تَفَقُّهًا: يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُمَا أَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ قَالَ السُّبْكِيُّ: لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهِ وَيَسْهُلُ السُّؤَالُ عَنْ الْغَلَطِ مِنْ الْحَفَظَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ.

(فَصْلٌ لَا يُؤْمَرُ مُفْلِسٌ بِكَسْبٍ) لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ وَلَا إيجَارُ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] أَمَرَ بِإِنْظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ «لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» وَقَاعِدَةُ الْبَابِ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ (إلَّا غَاصِبٌ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ تَعَدَّى بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيُؤْمَرُ بِالْكَسْبِ وَلَوْ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَاوِيِّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ لَا لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ وَيَسْتَمِرُّ الْإِنْفَاقُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ مَالِهِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ لِلنَّفَقَةِ فَإِنْ صَرَفَهُ فِيمَا يَنْفَعُ الْغُرَمَاءَ كَأَنْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا صَحَّ، أَوْ فِيمَا يَضُرُّهُمْ كَأَنْ وَهَبَهُ اُمْتُنِعَ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) قَالَ شَيْخُنَا: يُمْكِنُ أَنْ يَحْمِلَ التَّعَذُّرَ عَلَى مُطْلَقِ مَا يَجِبُ لَهُ فَلَا يَكُونُ شَامِلًا لِمَا إذَا احْتَاجَ لِلرُّكُوبِ لِمَنْصِبٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَشْتَرِي لَهُ، وَقَوْلُهُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ عِنْدَ تَعَذُّرِ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَيَتَسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبَدٍ) وَكِسَاءٍ خَلِيعٍ ع (قَوْلُهُ أَيْ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ) فَلَوْ قَسَّمَ لَيْلًا تَرَكَ لَهُ قُوتَهَا وَقُوتَ الْيَوْمِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَمَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ) شَمِلَ الْوَاجِبَ فِي تَجْهِيزِهِ، وَكَذَا الْمَنْدُوبُ إنْ لَمْ تَمْنَعْهُ الْغُرَمَاءُ (قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ) وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَذَكَرَهُ غَيْرُ الْعَبَّادِيِّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ مَا يُوَافِقُهُ اهـ قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَا يَتْرُكُ لَهُ رَأْسَ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ، وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَحْصِيلِ قُوتِهِ إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الِاكْتِسَابَ إلَّا بِالتِّجَارَةِ وَزَيَّفُوهُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ: إنَّهُ يَتْرُكُ لِلْفَقِيهِ كُتُبَ الْفِقْهِ دُونَ الْمُصْحَفِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ تَفَقُّهًا يَتْرُكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلَهُ إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْفَقِيهِ بِالْإِبْقَاءِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْجِهَادِ بِسَبَبِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

[فَصْلٌ لَا يُؤْمَرُ مُفْلِسٌ بِكَسْبٍ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لَا يُؤْمَرُ مُفْلِسٌ بِكَسْبٍ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ إلَخْ) فَلَوْ وُجِدَ عَيْنٌ مَالِيَّةٌ عِنْدَ مُفْلِسٍ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهَا فَأَبَى الْمُفْلِسُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ نُصَّ عَلَيْهِ وَكُتِبَ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْكَسْبِ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِأَنَّ قَدْرَهَا يَسِيرٌ مَضْبُوطٌ وَبِأَنَّ فِيهَا إحْيَاءَ بَعْضِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ: وَتُبَاعُ آلَاتُ حِرْفَتِهِ إنْ كَانَ مَجْنُونًا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَالْأَصَحُّ خِلَافًا عِبَارَةُ الْفَتَاوَى: الْمُفْلِسُ إذَا كَانَ مُحْتَرِفًا تُبَاعُ عَلَيْهِ آلَةُ حِرْفَتِهِ فِي الدَّيْنِ اهـ وَلَعَلَّ النُّسْخَةَ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَانَ فِيهَا تَحْرِيفٌ فَاشْتَبَهَ لَفْظُ الْمُحْتَرِفِ بِالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ إلَخْ) كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَاوِيِّ) وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الدَّارَكِيِّ وَفِي بَابِ التَّوْبَةِ مِنْ الْإِحْيَاءِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ، وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنْ الْحَلَالِ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ لِيُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ الصَّدَقَةِ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّا قَالَهُ الْفَرَاوِيُّ فَإِنَّ الْحَجَّ حَقٌّ لِلَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>