للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَدَلِ (وَهَلْ يَمْلِكُهَا) أَيْ الْحِنْطَةَ (الْغَاصِبُ) إتْمَامًا لِلتَّشْبِيهِ بِالتَّالِفِ أَوْ تَبْقَى لِلْمَالِكِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الظُّلْمُ حَقَّهُ (وَجْهَانِ) رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى النَّصِّ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَعْلِهَا كَالتَّالِفِ وَبَيْنَ أَخْذِهَا مَعَ أَرْشِ عَيْبٍ سَارٍ أَيْ شَأْنُهُ السِّرَايَةُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَرْشِ عَيْبٍ وَاقِفٍ (وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَرَضُ الْعَبْدِ) الْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ سَارِيًا عَسُرَ الْعِلَاجُ كَالسُّلِّ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ بِخِلَافِ عَفَنِ الْحِنْطَةِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى الْفَسَادِ قَطْعًا.

(وَلَوْ نَجَّسَ) الْغَاصِبُ (زَيْتَهُ) أَيْ زَيْتَ الْمَالِكِ (غَرِمَ) لَهُ (بَدَلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ كَالتَّالِفِ (وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِزَيْتِهِ) ، وَيُفَارِقُ الْحِنْطَةَ فِيمَا مَرَّ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالتَّنَجُّسِ فَصَارَ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا فَلَا مَحْذُورَ فِي إعَادَتِهَا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ لَا تَخْرُجُ بِالْعَفَنِ وَنَحْوِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ فَفِي إعَادَتِهَا لِلْمَالِكِ مَحْذُورٌ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُبْدَلِ وَالْبَدَلِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا لَوْ خَلَطَ الزَّيْتَ أَوْ نَحْوَهُ بِجِنْسِهِ (وَلَوْ تَعَفَّنَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ) عِنْدَ الْغَاصِبِ لِطُولِ الْمُدَّةِ (أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ) وَلَمْ يُجْعَلْ كَالتَّالِفِ نَظِيرَ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ التَّعَفُّنَ هُنَا حَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَارَ الْمَغْصُوبُ هَرِيسَةً بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ.

(فَصْلٌ) فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَبَدَأَ بِبَيَانِ جِنَايَتِهِ فَقَالَ (وَإِنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ) بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ أَوْ لِلْقِصَاصِ، وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ (فَدَاهُ الْغَاصِبُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ (بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ، وَقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ الْقِيمَةَ فَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ أَوْ الْمَالَ الْمُتَعَلِّقَ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ (وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْفِدَاءِ غَرِمَ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ الْقِيَمِ) مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَسَائِرِ الْمَغْصُوبَاتِ (وَغَرِمَ) أَيْضًا (لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ (وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ التَّعَلُّقُ مِمَّا غَرِمَ) الْغَاصِبُ (لِلْمَالِكِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالرَّقَبَةِ يَوْمَئِذٍ فَتَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا كَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ كَانَتْ قِيمَتُهُ رَهْنًا (ثُمَّ) إذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الْقِيمَةِ يَكُونُ (لِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ) عَلَى الْغَاصِبِ (بِمَا أَخَذَ) أَيْ أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ بَلْ أُخِذَ مِنْهُ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا (كَمَا يَرْجِعُ) الْمَالِكُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ لِلْجِنَايَةِ (حِينَ يَرُدُّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (إذَا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ) ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ حِينَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَرْشَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْهُ لَا يُجَابُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، وَعَلَّلَهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يُبَرِّئُ الْغَاصِبَ ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ كُلَّ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَ الْأَرْشُ مِثْلَهَا، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضَهَا بِأَنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَلْفًا وَالْأَرْشُ خَمْسَمِائَةٍ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ قَدْ سُلِّمَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَرَجَعَ بِانْخِفَاضِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ جَنَى، وَمَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ.

(وَلَوْ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ (وَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (إلَّا ذَلِكَ) أَيْ قَدْرَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ تَخَلَّلَ الْغَصْبُ وَالرَّدُّ) لِلْعَبْدِ (بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ) فِيهَا (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ، وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ.

(فَرْعٌ) لَوْ (جَنَى الْمَغْصُوبُ جِنَايَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَالْأُولَى) مِنْهُمَا (فِي يَدِ الْمَالِكِ) وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ (بِيعَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا وَاقْتَسَمَاهُ) أَيْ ثَمَنَهُ نِصْفَيْنِ إنْ تَسَاوَى الْأَرْشَانِ (ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ وُجِدَتْ وَالْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَخْذُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهَا) الْأَوْلَى أَخَذُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ (عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ بِجِنَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْغَصْبُ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّهِ فَلَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَفَّنَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَالِكُ تَعَفَّنَ بِنَفْسِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَأَرْشَهَا وَقَالَ الْغَاصِبُ عَفَّنْتهَا لِيَمْلِكَهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ كا.

[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ]

(قَوْلُهُ: فَدَاهُ الْغَاصِبُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ وَقِيمَتِهِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَيْضًا أَرْشُ مَا نَقَصَ بِعَيْبِ الْجِنَايَةِ (فَرْعٌ) لَوْ حُمَّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ كَذَلِكَ وَدَامَ حَتَّى مَاتَ فِي يَدِ الْمَالِكِ يَلْزَمُهُ كَمَالُ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ الْمُسْتَامُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ الْعَيْنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَرْجِعُ حِينَ يَرُدُّهُ إذَا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْبَابِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ بِجُمْلَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ دُونَ أَقْصَى الْقِيَمِ فَاَلَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ أَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا يَقْتَصِرُ رُجُوعُهُ عَلَى مَا بِيعَ بِهِ فَإِنْ قُلْت إذَا رَدَّهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْقِيمَةِ فَاللَّازِمُ مَا بِيعَ بِهِ لَا أَقْصَى الْقِيَمِ قُلْت لَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي تَفْرِيعِ ابْنِ الْحَدَّادِ مِنْ رُجُوعِ الْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَالثَّانِي إنْ رَدَّهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَخْرُجُ الْغَاصِبُ عَنْ عُهْدَةِ الْقِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْعَبْدَ مَحْمُومًا مَثَلًا وَدَامَتْ الْحُمَّى حَتَّى مَاتَ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ كَمَالُ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَتْ صُورَةُ الرَّدِّ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي فَصَّلْته لَا بُدَّ مِنْهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا وَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ وَقُلْنَا إنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْعَوَارِيِّ فَكَانَ الثَّمَنُ مِثْلَ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَإِنْ زَادَ الثَّمَنُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ إذْ هُوَ شَأْنُ الْعَوَارِيّ، وَقَالَ الْقَاضِي يَغْرَمُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى بِهِ دَيْنَهُ، وَهُوَ بَدَلُ سِلْعَةِ الْمُعِيرِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْأَقْصَى فِي الْغَصْبِ لِمَكَانِ التَّغْلِيظِ، وَمَا صَوَّبَهُ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ جَنَى الْمَغْصُوبُ جِنَايَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ]

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْته.

<<  <  ج: ص:  >  >>