للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ فَوَضَعَ بَدَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ غَيْرُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ بَدَلِهِ.

(وَإِنْ شَغَلَ) شَخْصٌ (بِمَتَاعِهِ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا) إنْ لَمْ يُغْلِقْهُ (فَإِنْ أَغْلَقَهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْكُلِّ) كَمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ أَجْزَائِهِ بِالْإِتْلَافِ، (وَعَلَى الْمُشْتَرِي) مِنْ الْغَاصِبِ (ضَمَانُ مَا وَلَدَتْهُ) الْعَيْنُ (الْمَغْصُوبَةُ حَيًّا، وَ) ضَمَانُ (ثِمَارِ الشَّجَرَةِ) تَبَعًا لِأَصْلَيْهِمَا (فَإِنْ أَكَلَهَا) أَيْ الثِّمَارَ يَعْنِي أَتْلَفَهَا (لَمْ يَرْجِعْ) بِبَدَلِهَا (وَإِنْ تَلِفَتْ رَجَعَ) بِهِ.

(كِتَابُ الشُّفْعَةِ) بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَهِيَ لُغَةً الضَّمُّ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ شَفَعْت الشَّيْءَ ضَمَمْته فَهِيَ ضَمُّ نَصِيبٍ إلَى نَصِيبٍ وَمِنْهُ شَفْعُ الْأَذَانِ، وَشَرْعًا حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لَلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ فِيمَا مَلَكَ بِعِوَضٍ

وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي أَرْضٍ، أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ وَالرَّابِعَةُ تَأْنِيثُ الرَّبْعِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْحَائِطُ وَالْبُسْتَانُ وَمَفْهُومُ الْخَبَرِ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْذَنَ شَرِيكَهُ فِي الْبَيْعِ فَأَذِنَ لَهُ لَا شُفْعَةَ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا تَمَسُّكًا بِبَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ قَالَ وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي إيجَابَ اسْتِئْذَانِ الشَّرِيكِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْخَبَرُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَقَدْ صَحَّ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِمَذْهَبِي عَرْضَ الْحَائِطِ انْتَهَى وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ عَدَمِ الْحِلِّ فِي الْخَبَرِ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ.

(وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ) الشُّفْعَةُ (وَلَهُ) الْأَوْلَى وَلَهَا (ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ) وَالصِّيغَةُ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي (الْأَوَّلُ الْمَأْخُوذُ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا فِي أَرْضٍ وَتَوَابِعِهَا الْمُثَبَّتَةِ) فِيهَا (لِلدَّوَامِ كَالْبِنَاءِ وَتَوَابِعِهِ الدَّاخِلَةِ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ) وَالْمَسَامِيرِ وَالْمَفَاتِيحِ وَنَحْوِهَا (وَحَجَرَيْ الطَّاحُونَةِ وَالْأَشْجَارِ) فَلَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ غَيْرِ تَابِعٍ لِمَا ذُكِرَ، وَإِنْ بِيعَ مَعَهُ كَأَنْ بَاعَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ دُونَ الْأَرْضِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدُومُ فَلَا يَدُومُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ (وَيَأْخُذُهَا) أَيْ الشَّفِيعُ الْأَشْجَارَ كَمَا مَرَّ (بِثَمَرٍ حَادِثَةٍ) بَعْدَ الْبَيْعِ (لَمْ تُؤَبَّرْ) عِنْدَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبِعَتْ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَتَتْبَعُهُ فِي الْأَخْذِ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ (لَا إنْ أُبِّرَتْ) عِنْدَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ (وَيَأْخُذُ) الثَّمَرَةَ (الدَّاخِلَةَ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْعِ) .

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَغَلَ بِمَتَاعِهِ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا إلَخْ) ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِأَنَّهَا تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ كَذَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَصَحَّحَهُ أَبِي وَغَلِطَ ابْنُ رَزِينٍ فِي فَتْوَاهُ بِصَرْفِهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَنْفَعَةُ الْمَسَاجِدِ وَالشَّوَارِعِ، وَعَرَفَةَ وَالْمَقَابِرِ الْمَوْقُوفَةِ تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ دُونَ الْفَوَاتِ.

[كِتَابُ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب]

[الْبَاب الْأَوَّل مَا تَثْبُت بِهِ الشُّفْعَة]

(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

إنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الشُّفْعَةَ تِلْوَ بَابِ الْغَصْبِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَخْذِ قَهْرًا فَالْغَصْبُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ عُدْوَانًا وَالشُّفْعَةُ مَأْخُوذَةٌ بِالْقَهْرِ مُبَاحًا.

(قَوْلُهُ: وَحُكِيَ ضَمُّهَا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَلِطَ مَنْ ضَمَّ الْفَاءَ.

(قَوْلُهُ: مِنْ شَفَعْت الشَّيْءَ ضَمَمْته) وَقِيلَ: مِنْ الزِّيَادَةِ وَقِيلَ: مِنْ التَّقْوِيَةِ وَالْإِعَانَةِ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِمَا يَأْخُذُهُ وَقِيلَ: مِنْ الشَّفَاعَةِ وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا.

(قَوْلُهُ: فِيمَا مَلَكَ بِعِوَضٍ) أَيْ بِالْعِوَضِ الَّذِي تَمَلَّكَ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِيهِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ إلَخْ) لَا سُوءُ الْمُشَارَكَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا) صَرَّحَ بِهِ الْفَارِقِيُّ قَالَ: لَكِنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَحَجَرَيْ الطَّاحُونَةِ) وَالْأَشْجَارِ وَأُصُولِ زَرْعٍ يُجَزُّ مِرَارًا وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّجَرِ كَوْنُهُ حَيًّا وَيُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ فَلَوْ كَانَ شَتْلًا يُقْصَدُ نَقْلُهُ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: غَيْرِ تَابِعٍ) خَرَجَ بِهِ الْمِفْتَاحُ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا.

(قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا بِثَمَرَةٍ حَادِثَةٍ لَمْ تُؤَبَّرْ) الْمُرَجَّحُ هُنَا، وَفِي التَّفْلِيسِ تَنْزِيلُ الْحَادِثِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ مَنْزِلَةَ الْمُتَّصِلِ وَنَزَّلُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَنْزِلَةَ الْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَارِقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ وَيُنْسَبُ الْبَائِعُ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ، أَوْ تَدْلِيسٍ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَادِثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْآخِذَ وَهُوَ الشَّفِيعُ لَا يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ بَلْ الْمُقَصِّرُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى ابْتِيَاعِ شِقْصٍ مُسْتَحَقٍّ بِالشُّفْعَةِ، فَيَكُونُ مَا حَدَثَ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي الْمُفْلِسُ حَالُهُ حَالُ الْمُقَصِّرِينَ فَاسْتَحَقَّ بَائِعُهُ الرُّجُوعَ فِي الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ الْحَادِثَةِ إذَا كَانَتْ عِنْدَ الْأَخْذِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ الْأَخْذُ لَهَا حَتَّى أُبِّرَتْ) بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يَأْخُذُهَا، وَإِنْ قُطِعَتْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ وَالْمَتْبُوعَ مَنْقُولٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجِدَارُ عَرِيضًا فِي أَرْضٍ مَرْغُوبٍ فِيهَا وَبِنَاؤُهُ نَزْرٌ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي هُنَا ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ قَالَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. وَتَعْلِيلُهُمْ يَقْتَضِيهِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْأَسَاسِ وَالْمُغْرَسِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَا مَرْئِيَّيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُمَا وَصَرَّحَ بِدُخُولِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُهُمْ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُك الْجِدَارَ وَأَسَاسَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَرَ الْأَسَاسَ قُلْت: الْمُرَادُ بِذِكْرِ الْأَسَاسِ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجِدَارِ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ أَمَّا الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ مَكَانُ الْبِنَاءِ فَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>