للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يقسمه سحابة بين منتظريه وطالبي الانتفاع به، كما يشاء فيعطي كما يحرم ويهب كما يمنع، مقلّبا اللّيل والنّهار، ومبدّلا الظّلم والأنوار، واعتبروا ففي ذلك عبرة لأولي الأبصار.

قوله: يزجي يعيد سوفا على رفق، لذلك قال عدي: ويزجي بعد الهذين جهة شمال كما يزجي الكسير. لأنّ الكسير يرفق به. والرّكام: الغليظ المتلبّد المتطارف، والودق: الماء والفعل منه ودق.

وقوله: مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ

[سورة النّور، الآية: ٤٣] فكلّ مستحجر صلب غليظ يوصف بأنّه جبل وجبال. ومنه قوله تعالى: وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ

[سورة الشّعراء، الآية: ١٨٤] وقوله تعالى: مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ

[سورة النّور، الآية: ٤٣] أراد من جبال برد فيها، وهذا على التّكثّر كما يقال: عند فلان جبال من المال. والمراد أنّ ما ينزله من الغيث يكون ذائبا وجامدا فيقسمه بين الخلق على ما يرى من مصالحهم وإنّما قال تعالى: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ

[سورة النّور، الآية: ٤٣] لأنّ الضّوء الباهر إذا أديم النّظر إليه أضرّ بالعين، وكذلك الشيء الأبيض كالثّلج وما أشبهه.

فصل من كلام الأوائل في البرد والطّلّ والدّمق

قالوا: إنّ البرد إنّما يكون في البخار الحار إذا أصابه برد الهواء وذلك لتنافر الحرارة والبرودة. فإذا أصاب البرد السّحاب انقبض الماء في داخل السّحاب من كثرة حرارة ذلك البخار، فيجمد في جوف السّحاب، وذلك لمضادة الحرّ للبرد ولذلك إنّما يكون البرد في الأيام الحارة لمضادة الحرّ البرد.

فأمّا في الأزمنة الباردة والبلاد الشّديدة البرد وإن كان البرد منتشرا في جميع الأماكن، فليس يقع هناك مضادة الحر للبرد فلا يكون بردا. فأمّا اختلاف خلقها فمن قبل بعده وقربه من الأرض: فإن كان بعيدا من الأرض كان صغير الحب وذلك لأنّه يذوب فيما بين مخرجه وبلوغه إلى الأرض، فيصغر قدره ويستدير.

فأمّا ما كان قريبا من الأرض فإنّه ينزل سريعا فلا يستدير لكن يبقى كثيرا مختلف الشّكل، وإن كان الصّغر والكبر فيه تبع قدر الماء، وكونه مضغوطا في السّحاب، وربما كان علّة كبر القطر من قبل قوّة الرّيح فيضغط أشدّ ضغط فهذا ما في البرد.

<<  <   >  >>