للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في ذكر ما كانت العرب تفعله وقت إمساك القطر في الجاهلية الجهلاء]

قال أبو المنذر هشام بن محمد الكلبي: كانوا إذا استمطروا عمدوا إلى السّلع والعشر فعقدوهما في أذناب البقر، وأضرموا فيهما النّار، وأصعدوها في جبل وعر وتبعوها يدعون الله عزّ وجلّ يستسقونه. قال ابن الكلبي: وكانوا يضرمون تفاؤلا للبرق قال لمية في ذلك:

سنة أزمة تخيل للنّاس ... ترى للعضاة فيها صريرا

لا على كوكب ينوء ولا ري ... ح جنوب ولا ترى طخرورا

ويسوقون باقر السّهل للطّو ... د مها زيل خشية أن تبورا

عاقدين النّيران في تكن الأذ ... ناب منها لكي يهيج البحورا

سلع ما ومثله عشر ما ... عايل ما وعالت البيقورا

بيقور: جماعة بقر، يقال: بقر وباقر وبيقور وغلط في هذا عيسى بن عمرو والأصمعي جميعا، فأمّا الأصمعي فإنه روى وغالت البيقورا، واحتجّ لتصحيفه بأنه ذهب إلى المرارة من أجل السّلع، فقال: يقال: ما أبقره وأمقره. وقال عيسى: لا معنى لقوله: سلع ما. وقال ابن السّكيت: معنى قوله: وعالت البيقورا أنّ السنة الجدبة بقلت البقر، ممّا حملت من السلع والعشر، وأنشد أبو عثمان الجاحظ للورل الطّالي شعرا:

لا درّ درّ رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر

أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر؟!

قوله مسلعة يعني ما عقد في أذنابها من السّلع. وقال أبو حنيفة: وكانوا إذا فعلوا ذلك توجّهوا بها نحو المغرب من بين الجهات قصدا إلى العين، يعني عين السّماء. وهذا الذي ذكرناه عن العرب من الزّمن تشاركها الأمم في أمثاله كنيرنجات الفرس، ووهم الهند، وعقد الرّوم.

وقالت الفلاسفة: رموز النّفس تنقسم ثلاثة أقسام: قسم منها رمز فوق الطّبيعة كالرّقي والوهم، وقد قال بعضهم: إن للنّفس كلمات روحانية من نحو ذاتها. وقسم منها رمز نحو الطّبيعة كتعليق الحرز وما أشبهها. وقسم منها دون الطّبيعة كالتّماثيل واستعمالها، فهذا كما ترى وإن عرض فيما يعمله ما يقتضي القول في شيء من الرّموز أعدنا القول فيها إن شاء الله تعالى.

<<  <   >  >>