للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .

قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» ؟ قَالَ: " لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا ". وَهَذَا النَّهْيُ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُقِيمَ إذَا وَكَّلَهُ الْقَادِمُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا، وَالْقَادِمُ لَا يَعْرِفُ السِّعْرَ: أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمُشْتَرِي كَمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِينَ. وَمِنْ ذَلِكَ: الِاحْتِكَارُ لِمَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ " عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» ، فَإِنَّ الْمُحْتَكِرَ الَّذِي يَعْمِدُ إلَى شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الطَّعَامِ فَيَحْبِسُهُ عَنْهُمْ وَيُرِيدُ إغْلَاءَهُ عَلَيْهِمْ: هُوَ ظَالِمٌ لِعُمُومِ النَّاسِ، وَلِهَذَا كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُكْرِهَ الْمُحْتَكِرِينَ عَلَى بَيْعِ مَا عِنْدَهُمْ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، عِنْدَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، مِثْلُ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالنَّاسُ فِي مَخْمَصَةٍ، أَوْ سِلَاحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِلْجِهَادِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ: أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ، إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِهِ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ بِمَا طَلَبَ: لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةُ مِثْلِهِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى الِاسْتِدَانَةِ مِنْ الْغَيْرِ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِرِبًا، أَوْ مُعَامَلَةٍ رِبَوِيَّةٍ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ: لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ إلَّا مِقْدَارَ رَأْسِ مَالِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى مَنَافِعِ مَالِهِ، كَالْحَيَوَانِ وَالْقِدْرِ وَالْفَأْسِ وَنَحْوِهَا: وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهَا لَهُ مَجَّانًا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْآخَرِ.

<<  <   >  >>