للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي " الْمَجْمُوعَةِ ": لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ اتِّخَاذِ بُرْجِ الْحَمَامِ، وَإِنْ تَأَذَّى بِهِ جِيرَانُهُ، وَكَذَلِكَ الْعَصَافِيرُ وَالدَّجَاجُ، وَعَلَى أَهْلِ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ أَنْ يَحْرُسُوهَا بِالنَّهَارِ. قُلْت: قَوْلُ مُطَرِّفٍ أَصَحُّ وَأَفْقَهُ؛ لِأَنَّ حِرَاسَةَ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ مِنْ الطُّيُورِ أَمْرٌ مُتَعَسِّرٌ جِدًّا، بِخِلَافِ حِرَاسَتِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ، وَقِيَاسُ الْبَهَائِمِ عَلَى الطَّيْرِ لَا يَصِحُّ.

وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: هِيَ كَالْمَاشِيَةِ، وَإِنْ أَضَرَّتْ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّ صَاحِبَهَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ مِنْ الزَّرْعِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ بِاِتِّخَاذِهَا صَارَ مُتَسَبِّبًا فِي إتْلَافِ زُرُوعِ النَّاسِ، بِخِلَافِ الْمَوَاشِي؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ صَوْنُهَا وَضَبْطُهَا، فَإِذَا أَتْلَفَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَأَفْسَدَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَوَائِطِ، وَأَمَّا الطُّيُورُ: فَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابُ الْحَوَائِطِ التَّحَفُّظَ مِنْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي السِّنَّوْرِ إذَا أَكَلَتْ الطُّيُورَ، وَأَكْفَأَتْ الْقُدُورَ؟ قِيلَ: عَلَى مُقْتَنِيهَا ضَمَانُ مَا تُتْلِفُهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْلًا وَنَهَارًا، ذَكَرَهُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ، فَوَجَبَ إلْحَاقُهَا بِهِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُضْبَطَ وَتُرْبَطَ، فَإِرْسَالُهَا تَفْرِيطٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهَا بَلْ فَعَلَتْهُ نَادِرًا: فَلَا ضَمَانَ ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تُسَوِّغُونَ قَتْلَهَا لِذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إذَا كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّمَا تُقْتَلُ حَالَ مُبَاشَرَتِهَا لِلْجِنَايَةِ، فَأَمَّا فِي حَالِ سُكُونِهَا وَعَدَمِ صُولِهَا: فَلَا.

وَالصَّحِيحُ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً، كَمَا يُقْتَلُ مَنْ طَبْعُهُ الْفَسَادُ وَالْأَذَى فِي حَالِ سُكُونِهِ، وَلَا تُنْتَظَرُ مُبَاشَرَتُهُ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ»

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالْهِرَّةُ سَبُعٌ.

<<  <   >  >>