للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّفْرِيقِ حُكْمًا، مِثْلَ مَا سَنَّ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَا أَمْرَ فِيهِ بِالْقَتْلِ، كَاَلَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ غَلَّظَ عَلَيْهِ فِي الْفُتْيَا.

فَنَحْنُ نَنْتَهِي إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ، فَإِذَا شَهِدَتْ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى فَكَانَتَا اثْنَتَيْنِ، فَهُنَاكَ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ عِنْدَنَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ: " إنَّهُ لَمْ يُجِزْ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ " وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا عَنْهُ.

فَإِنَّهُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الرَّجُلَيْنِ، أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، لِمَا حُظِرَ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَحَاسِنِ النِّسَاءِ.

وَعَلَى هَذَا يُوَجَّهُ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، إذْ لَمْ يُوَقِّتَا فَوْقَ ذَلِكَ وَقْتًا بِأَدْنَى مَا يَكُونُ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ إلَّا اثْنَتَانِ مِنْ النِّسَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ، إلَّا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا هُنَّ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ حَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ ".

[فَصَلِّ شَهَادَة الرَّجُل الْوَاحِد مِنْ غَيْر يَمِين عِنْد الْحَاجَة]

٢٩ - (فَصْلٌ)

وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْخِرَقِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الطَّبِيبِ الْعَدْلِ فِي الْمُوضِحَةِ، إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى طَبِيبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْطَارُ فِي دَاءِ الدَّابَّةِ.

قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي ": إذَا اخْتَلَفَا فِي الْجُرْحِ: هَلْ هُوَ مُوضِحَةٌ، أَمْ لَا؟ أَوْ فِي قَدْرِهِ، كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالسِّمْحَاقِ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي دَاءٍ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْأَطِبَّاءُ، أَوْ دَاءِ الدَّابَّةِ.

فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ إذَا قُدِرَ عَلَى طَبِيبَيْنِ أَوْ بَيْطَارَيْنِ لَا يُجْتَزَأُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ،

<<  <   >  >>