للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْخِرَقِيُّ، أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ فِيمَا عَدَا الْقَوَدَ وَالنِّكَاحَ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ فِي الْكُلِّ. وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ - حَيْثُ قُلْنَا يَسْتَحْلِفُ - قَضَيْنَا بِالنُّكُولِ فِي الْجَمِيعِ، إلَّا فِي الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ خَاصَّةً. وَعَنْهُ لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً.

وَكُلُّ نَاكِلٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ فَهَلْ يُخَلَّى أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يَقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَلَا فِي الْحُدُودِ.

فَإِذَا قُلْنَا: اسْتَحْلَفَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِالنُّكُولِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَتَعْلِيلِهِ، وَإِذَا اسْتَحْلَفْنَاهُ، فَإِنْ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، لِتَكُونَ لِلْيَمِينِ فَائِدَةٌ، حَتَّى فِي قَوَدِ الْأَطْرَافِ. وَلَا يُقْضَى بِقَوَدِ النَّفْسِ، وَإِنْ اسْتَحْلَفْنَاهُ، لِأَنَّ النُّكُولَ وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الْإِقْرَارِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ فَلَا يُرَاقُ بِهِ الدَّمُ بِمُجَرَّدِهِ، وَلَا مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي إلَّا فِي الْقَسَامَةِ لِلَّوْثِ.

وَإِذَا قُلْنَا: يُسْتَحْلَفُ وَلَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ: كَانَ فَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ حَبْسَهُ إذَا أَبَى الْحَلِفُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

وَفِي الْآخَرِ: يُخَلَّى سَبِيلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ حَتَّى يَفْعَلَهُ. فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا، وَأَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا.

فَكَيْفَ يُعَاقَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَطَلَبِ يَمِينِهِ؟ وَتَكُونُ فَائِدَةَ الْيَمِينِ عَلَى هَذَا: انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ وَالْمُطَالَبَةِ.

[فَصَلِّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي الْحُدُودِ صُورَتَانِ]

٤٤ - (فَصْلٌ)

وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي الْحُدُودِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: إذَا قَذَفَهُ فَطَلَبَ حَدَّ الْقَذْفِ، فَقَالَ الْقَاذِفُ: حَلِّفُوهُ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ.

فَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْلِفُ.

وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا، وَأَرَادَ الْقَاذِفُ تَحْلِيفَ الْوَارِثِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ زِنَا مُوَرِّثِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ.

وَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، بَلْ الْقَوْلُ بِتَحْلِيفِهِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِقَذْفِ الْمَسْتُورِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ زِنَاهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَلَّا يَكُونَ قَدْ زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُهُ الْحَاكِمُ عَنْ ذَلِكَ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ سُؤَالُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ. وَفِي تَحْلِيفِهِ تَعْرِيضُهُ لِلْكَذِبِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ إنْ كَانَ قَدْ ارْتَكَبَ ذَلِكَ، أَوْ تَعَرُّضُهُ لِفَضِيحَةِ نَفْسِهِ وَإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ، أَوْ فَضِيحَتُهُ بِالنُّكُولِ الْجَارِي مَجْرَى الْإِقْرَارِ، وَانْتِهَاكُ عِرْضِهِ لِلْقَاذِفِينَ الْمُمَزَّقِينَ لِأَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالشَّرِيعَةُ لَا تَأْتِي

<<  <   >  >>