للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا الْأَئِمَّةِ بِتَحْلِيفِ الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ شَرْطًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ.

فَالْقَوْلُ بِالتَّحْلِيفِ فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَحَاذِيرِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَابَ مِنْهُ، فَفِي إلْزَامِهِ بِالْحَلِفِ تَعْرِيضُهُ لِهَتِيكَةِ نَفْسِهِ، وَإِهْدَارِ عِرْضِهِ.

وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْبِكْرَ إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا فَإِذْنُهَا الصُّمَاتُ، لِأَنَّا لَوْ اشْتَرَطْنَا نُطْقَهَا لَكُنَّا قَدْ أَلْزَمْنَاهَا بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا وَهَتْكِ عِرْضِهَا، بَلْ إذَا اكْتَفَى مِنْ الْبِكْرِ بِالصُّمَاتِ لِحَيَائِهَا فَلَأَنْ يُكْتَفَى مِنْ هَذِهِ بِالصُّمَاتِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ حَيَاءَهَا مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى زِنَاهَا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ حَيَائِهَا مِنْ كَلِمَةِ " نَعَمْ " الَّتِي لَا تَذُمُّ بِهَا وَلَا تُعَابُ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ قَدْ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا، بَلْ الِاكْتِفَاءُ مِنْ هَذِهِ بِالصُّمَاتِ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهِ مِنْ الْبِكْرِ؛ فَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَكَمَالِهَا.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ، وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ» الْمُرَادُ بِهِ: الثَّيِّبُ الَّتِي قَدْ عَلِمَ أَهْلُهَا وَالنَّاسُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ، فَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ ذَلِكَ.

وَلِهَذَا لَوْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِإِصْبَعٍ أَوْ وَثْبَةٍ: لَمْ تَدْخُلْ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ بِذَلِكَ صِفَةُ إذْنِهَا، مَعَ كَوْنِهَا ثَيِّبًا، فَاَلَّذِي أَخْرَجَ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ الْعُمُومِ أَوْلَى أَنْ يُخْرِجَ الْأُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَحْلِف فِيهِ]

٤٥ - (فَصْلٌ)

وَمِمَّا لَا يُحْلَفُ فِيهِ إذَا ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي وَقْتِ الْإِمْكَانِ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْبُلُوغُ، فَقَالَ: أَنَا صَبِيٌّ بَعْدُ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ: لَمْ يَحْلِفْ.

وَلَوْ ادَّعَى عَامِلُ الزَّكَاةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ نِصَابًا، وَطَلَبَ زَكَاتَهُ، لَمْ يَحْلِفْ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَقَرَّ، فَادَّعَى الْعَامِلُ: أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ، لَمْ يَحْلِفْ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ.

[فَصَلِّ فَوَائِد الْيَمِين]

٤٦ - (فَصْلٌ)

وَلِلْيَمِينِ فَوَائِدُ:

<<  <   >  >>