للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَالَفَهَا، فَمَنْ اقْتَدَى بِمَا سَنُّوا فَقَدْ اهْتَدَى، وَمَنْ اسْتَنْصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ، وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا؛ وَمِنْ هُنَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِجَاجَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ وَإِنْ رَفَضَك النَّاسُ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ وَإِنْ زَخْرَفُوهَا لَك بِالْقَوْلِ، وَقَالَ أَيْضًا: مَا حَدَّثُوك بِهِ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخُذْهُ وَمَا حَدَّثُوك بِهِ عَنْ رَأْيِهِمْ فَانْبِذْهُ فِي الْحُشِّ.

قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: اصْبِرْ نَفْسَك عَلَى السُّنَّةِ، وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِك الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ يَسَعُك مَا وَسِعَهُمْ، وَقُلْ بِمَا قَالُوا، وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا، وَلَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا خُصِصْتُمْ بِهِ دُونَ أَسْلَافِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُدَّخَرْ عَنْهُمْ خَيْرٌ خُبِّئَ لَكُمْ دُونَهُمْ لِفَضْلٍ عِنْدَكُمْ، وَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ لَهُ وَبَعَثَهُ فِيهِمْ وَوَصَفَهُمْ قَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] الْآيَةَ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَحْتَجُّونَ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ مِنْ فَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَأَقْوَالِهِمْ، وَلَا يُنْكِرُهُ مُنْكِرٌ مِنْهُمْ، وَتَصَانِيفُ الْعُلَمَاءِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَمُنَاظَرَاتُهُمْ نَاطِقَةٌ بِهِ.

قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ: أَهْلُ الْأَعْصَارِ مُجْمِعُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ، وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَكُتُبِهِمْ وَمُنَاظَرَاتِهِمْ وَاسْتِدْلَالَاته م، وَيَمْتَنِعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إطْبَاقُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا لَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَلَا نَصْبَهُ دَلِيلًا لَلْأُمَّةِ، فَأَيُّ كِتَابٍ شِئْت مِنْ كُتُبِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ وَجَدْت فِيهِ الِاسْتِدْلَالَ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَوَجَدْت ذَلِكَ طِرَازَهَا وَزِينَتَهَا، وَلَمْ تَجِدْ فِيهَا قَطُّ لَيْسَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حُجَّةً، وَلَا يَحْتَجُّ بِأَقْوَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَتَاوِيهِمْ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَطِيبُ قَلْبُ عَالِمٍ يُقَدِّمُ عَلَى أَقْوَالِ مَنْ وَافَقَ رَبَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ حُكْمٍ فَقَالَ وَأَفْتَى بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَةِ مَا قَالَ لَفْظًا وَمَعْنًى قَوْلَ مُتَأَخِّرٍ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الرُّتْبَةُ وَلَا يُدَانِيهَا؟ وَكَيْفَ يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ آرَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَرْجَحُ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ فَتَاوَى السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ شَاهَدُوا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ وَكَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ خِلَالَ بُيُوتِهِمْ وَيَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ؟ .

قَالَ جَابِرٌ: وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>