للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنْتُ أَنَا، وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: مَا لِي إلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي، قَالَ: فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟ قَالَ: أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ دُونَكَ صَاحِبَكَ، فَانْطَلَقَ بِهِ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ، وَأَخَذْتَهُ بِأَمْرِكَ، فَقَالَ أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلَى، فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ» ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يُحِطْ بِمَعْنَاهُ، وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ " لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْإِثْمِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إثْمُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَسْتَوِي هُوَ وَالْوَلِيُّ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ، أَمَّا الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ، وَأَمَّا هُوَ فَلِكَوْنِهِ قَدْ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " تَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ " فَإِثْمُ الْوَلِيِّ مَظْلِمَتُهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ، وَإِثْمُ الْمَقْتُولِ إرَاقَةُ دَمِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْمِلُ خَطَايَاكَ وَخَطَايَا أَخِيكَ، وَاَللَّه أَعْلَمُ.

وَهَذِهِ غَيْرُ قِصَّةِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ وَقَدْ قَتَلَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ، فَقَالَ: «أَمَا إنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ» فَخَلَّاهُ الرَّجُلُ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْقِصَّةَ فَتَكُونُ هَذِهِ عِلَّةَ كَوْنِهِ إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْمَأْثَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فَتَاوَى فِي الْقَسَامَةِ]

فَصْلٌ:

[فَتَاوَى فِي الْقَسَامَةِ] «وَأَقَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَضَى بِهَا بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ» ، ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ.

«وَقَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِ مُحَيِّصَةُ بِأَنْ يُقْسِمَ خَمْسُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُتَّهَمِينَ بِهِ، فَيُدْفَعَ بِرُمَّتِهِ إلَيْهِ، فَأَبَوْا، فَقَالَ تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ فَأَبَوْا، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ «بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» .

وَعِنْدَ النَّسَائِيّ «فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَأَعَانَهُمْ بِنِصْفِهَا» .

«وَقَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ: لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ» وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِجِنَايَتِهِ فَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>