للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُكْتَفِينَ بِالنُّصُوصِ أَمْ كَانُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؟ حَتَّى جَاءَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَكَانُوا أَعْلَمَ مِنْهُمْ وَأَهْدَى وَأَضْبَطَ لِلشَّرِيعَةِ مِنْهُمْ وَأَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَ [مَا] يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ؟ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ [عَبْدُهُ] بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الْإِشْرَاكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ وَالِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ.

فَصْلٌ:

[كَلَامُ أَحْمَدَ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ]

وَهَذِهِ نَبْذَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ: قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ مَنْصُورٍ: وَالْمُخَنَّثُ يُنْفَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهُ إلَّا الْفَسَادُ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ، وَلِلْإِمَامِ نَفْيُهُ إلَى بَلَدٍ يَأْمَنُ فَسَادَ أَهْلِهِ، وَإِنْ خَافَ بِهِ عَلَيْهِمْ حَبَسَهُ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فِيمَنْ شَرِبَ خَمْرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ أَتَى شَيْئًا نَحْوَ هَذَا: أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَغُلِّظَ عَلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي يَقْتُلُ فِي الْحَرَمِ دِيَةٌ وَثُلُثٌ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ تُعَاقَبَانِ وَتُؤَدَّبَانِ.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ بِالنَّارِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَكَانَ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا، فَقَالَ: إنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَمْ تَعْصِ اللَّهَ بِهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَصَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، أَرَى أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِالنَّارِ، فَأَجْمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِالنَّارِ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنْ يُحَرِّقُوا، فَحَرَّقَهُمْ، ثُمَّ حَرَّقَهُمْ ابْنُ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ حَرَّقَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ طَعَنَ عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ عُقُوبَتُهُ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، بَلْ يُعَاقِبَهُ وَيَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا أَعَادَ الْعُقُوبَةَ.

وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ النِّسَاءَ إذَا خِيفَ عَلَيْهِنَّ الْمُسَاحَقَةَ حَرُمَ خَلْوَةُ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ.

وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى اخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا، فَإِنْ أَبَى ضُرِبَ حَتَّى يَخْتَارَ.

قَالُوا: وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>