للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي لَا يَنْشَعِبُ مِثْلُهَا؛ وَكُلُّ مَا خُطِفَ وَسُرِقَ مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى خَاطِفُهُ وَلَا سَارِقُهُ فَإِنَّهُ ضَائِعٌ لَا يُرْجَى، وَمَا عُرِفَ خَاطِفُهُ أَوْ سَارِقُهُ أَوْ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْ عَيْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ مَحْمُودَةٍ فِي الْجِسْمِ وَالْقَامَةِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَاللِّحْيَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ مُتَجَاوِزَةٍ لِلْحَدِّ فِي ذَلِكَ فَمَذْمُومَةٌ وَشَرٌّ وَفَضِيحَةٌ.

وَكُلُّ مَا رَأَى مِنْ اللِّبَاسِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَمَكْرُوهٌ كَالْعِمَامَةِ فِي الرِّجْلِ وَالْخُفِّ فِي الرَّأْسِ وَالْعِقْدِ فِي السَّاقِ، وَكُلُّ مَنْ اسْتَقْضَى أَوْ اسْتَخْلَفَ أَوْ أَمَّرَ أَوْ اسْتَوْزَرَ أَوْ خَطَبَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ نَالَ بَلَاءً مِنْ الدُّنْيَا وَشَرًّا وَفَضِيحَةً وَشُهْرَةً قَبِيحَةً، وَكُلُّ مَا كَانَ مَكْرُوهًا مِنْ الْمُلَابِسِ فَخَلِقُهُ أَهْوَنُ عَلَى لَابِسِهِ مِنْ جَدِيدِهِ، وَالْجَوْزُ مَالٌ مَكْنُوزٌ، فَإِنْ تَفَقَّعَ كَانَ قَبِيحًا وَشَرًّا، وَمَنْ صَارَ لَهُ رِيشٌ أَوْ جَنَاحٌ صَارَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ طَارَ سَافَرَ، وَخُرُوجُ الْمَرِيضِ مِنْ دَارِهِ سَاكِتًا يَدُلُّ عَلَى مَوْتِهِ، وَمُتَكَلِّمًا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْأَبْوَابِ الضَّيِّقَةِ يَدُلُّ عَلَى النَّجَاةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ شَرٍّ وَضِيقٍ هُوَ فِيهِ وَعَلَى تَوْبَةٍ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخُرُوجُ إلَى فَضَاءٍ وَسَعَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ مَحْضٌ، وَالسَّفَرُ وَالنُّقْلَةُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ بِحَسَبِ حَالِ الْمَكَانَيْنِ.

وَمَنْ عَادَ فِي الْمَنَامِ إلَى حَالٍ كَانَ فِيهَا فِي الْيَقَظَةِ عَادَ إلَيْهِ مَا فَارَقَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَمَوْتُ الرَّجُلِ رُبَّمَا دَلَّ عَلَى تَوْبَتِهِ وَرُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ رُجُوعٌ إلَى اللَّهِ، قَالَ - تَعَالَى -: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: ٦٢] وَالْمَرْهُونُ مَأْسُورٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لِلَّهِ أَوْ لِعَبِيدِهِ، وَوَدَاعُ الْمَرِيضِ أَهْلَهُ أَوْ تَوْدِيعُهُمْ لَهُ دَالٌ عَلَى مَوْتِهِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ كُلُّهَا أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ لِعِلْمِ التَّعْبِيرِ لِمَنْ أَحْسَنَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ فَهِمَ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُعَبِّرُ بِهِ الرُّؤْيَا أَحْسَنَ تَعْبِيرٍ. وَأُصُولُ التَّعْبِيرِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ مِشْكَاةِ الْقُرْآنِ، فَالسَّفِينَةُ تُعَبَّرُ بِالنَّجَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: ١٥] وَتُعَبَّرُ بِالتِّجَارَةِ، وَالْخَشَبُ بِالْمُنَافِقِينَ، وَالْحِجَارَةُ بِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ، وَالْبَيْضُ بِالنِّسَاءِ، وَاللِّبَاسُ أَيْضًا بِهِنَّ، وَشُرْبُ الْمَاءِ بِالْفِتْنَةِ، وَأَكْلُ لَحْمِ الرَّجُلِ بِغَيْبَتِهِ، وَالْمَفَاتِيحُ بِالْكَسْبِ وَالْخَزَائِنِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْفَتْحُ يُعَبَّرُ مَرَّةً بِالدُّعَاءِ وَمَرَّةً بِالنَّصْرِ، وَكَالْمَلِكِ يُرَى فِي مَحَلَّةٍ لَا عَادَةَ لَهُ بِدُخُولِهَا يُعَبَّرُ بِإِذْلَالِ أَهْلِهَا وَفَسَادِهَا، وَالْحَبْلُ يُعَبَّرُ بِالْعَهْدِ وَالْحَقِّ وَالْعَضُدِ، وَالنُّعَاسُ قَدْ يُعَبَّرُ بِالْأَمْنِ، وَالْبَقْلُ وَالْبَصَلُ وَالثُّومُ وَالْعَدَسُ يُعَبَّرُ لِمَنْ أَخَذَهُ بِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبْدَلَ شَيْئًا أَدْنَى بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ مَالٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ دَارٍ، وَالْمَرَضُ يُعَبَّرُ بِالنِّفَاقِ وَالشَّكِّ وَشَهْوَةِ الرِّيَاءِ، وَالطِّفْلُ الرَّضِيعُ يُعَبَّرُ بِالْعَدُوِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] وَالنِّكَاحُ بِالْبِنَاءِ، وَالرَّمَادُ بِالْعَمَلِ الْبَاطِلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم: ١٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>