للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَمْعِ النَّاسِ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ وَتَرْتِيبٍ وَاحِدٍ وَحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ مَنْعُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِرَأْيِهِمَا، وَكَذَلِكَ تَسْوِيَةُ الصِّدِّيقِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْعَطَاءِ بِرَأْيِهِ، وَتَفْضِيلُ عَمَلٍ بِرَأْيِهِ، وَكَذَلِكَ إلْحَاقُ عُمَرَ حَدَّ الْخَمْرِ بِحَدِّ الْقَذْفِ بِرَأْيِهِ، وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ، وَكَذَلِكَ تَوْرِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَبْتُوتَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِرَأْيِهِ، وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ، كَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» ، قَالَ: أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ وَزَيْدٌ لَمَّا وَرَّثَا الْأُمَّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ قَاسَا وُجُودَ الزَّوْجِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْأَبِ ضِعْفُ مَا لِلْأُمِّ، فَقَدَّرَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كُلُّ الْمَالِ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إذَا اجْتَمَعَا وَكَانَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الذَّكَرُ ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ الْأُنْثَى كَالْأَوْلَادِ وَبَنِي الْأَبِ، وَإِمَّا أَنْ تُسَاوِيَهُ كَوَلَدِ الْأُمِّ، وَأَمَّا أَنَّ الْأُنْثَى تَأْخُذُ ضِعْفَ مَا يَأْخُذُ الذَّكَرُ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لَهَا فِي دَرَجَتِهِ فَلَا عَهْدَ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْفَهْمِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الصَّحَابَةُ فِي الْفَرَائِضِ بِالْعَوْلِ وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى جَمِيعِ ذَوِي الْفُرُوضِ قِيَاسًا عَلَى إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إذَا ضَاقَ مَالُ الْمُفْلِسِ عَنْ تَوْفِيَتِهِمْ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْغُرَمَاءِ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» ، وَهَذَا مَحْضُ الْعَدْلِ، عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْحِرْمَانِ وَتَوْفِيَةَ بَعْضِهِمْ بِأَخْذِ نَصِيبِهِ لَيْسَ مِنْ الْعَدْلِ.

[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأْنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَاوَرَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، وَقَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَرِبُوهَا وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: إنَّ السَّكْرَانَ إذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَاجْعَلْهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَجَعَلَهُ عُمَرُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ.

وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ النَّاسَ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اسْتَشَارَهُمْ عُمَرُ، فَذَكَرَهُ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ عَلِيٌّ بِهَذَا الْقِيَاسِ، بَلْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ وَبَرَةَ الصَّلْتِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى عُمَرَ، فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مُتَّكِئُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إنَّ النَّاسَ انْبَسَطُوا فِي الْخَمْرِ، وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَةَ، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُمْ هَؤُلَاءِ عِنْدَكَ، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرَاهُ إذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلِّغْ صَاحِبَكَ مَا قَالُوا، فَضَرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>