للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَدُلُّ وَأَجْمَعُ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ سِتَّةَ أَنْوَاعٍ، وَيَدُلَّ بِهَا عَلَى مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ الْأَنْوَاعِ، فَكَمَالُ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمَالُ شَفَقَتِهِ وَنُصْحِهِ وَكَمَالُ فَصَاحَتِهِ وَبَيَانِهِ يَأْبَى ذَلِكَ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَحُكْمُ الْقِيَاسِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهَا؛ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَمْ يُفِدْ الْقِيَاسُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ مُتَحَقِّقٌ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَيَقَّنَةٌ فَلَا تُرْفَعُ بِأَمْرٍ لَا تُتَيَقَّنُ صِحَّتُهُ؛ إذْ الْيَقِينُ يَمْتَنِعُ رَفْعُهُ بِغَيْرِ يَقِينٍ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ غَالِبَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي رَأَيْنَا الْقِيَاسِيِّينَ يَسْتَعْمِلُونَهَا رَجْمٌ بِالظُّنُونِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مَصْلَحَةَ لِلْأُمَّةِ فِي اقْتِحَامِهِمْ وَرَطَاتِ الرَّجْمِ بِالظُّنُونِ حَتَّى يُخْبَطُوا فِيهَا خَبْطَ عَشْوَاءَ فِي ظَلْمَاءَ، وَيَحْكُمُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقِيَاسِيِّ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ هُوَ خَبَرٌ عَنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ أَحَلَّ كَذَا وَحَرَّمَهُ، وَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ خَبَرُهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ هُوَ وَلَا رَسُولُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: ١٥٠] .

قَالُوا: وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى الْعِلْمِ بِعِلَّتِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَنَا طَرِيقٌ، وَإِذَا كَانَ لَنَا طَرِيقٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَلَّلٍ، وَإِذَا كَانَ مُعَلَّلًا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ وَأَنْ تَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ وَأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ غَيْرَهَا، وَإِذَا ظَهَرَتْ الْعِلَّةُ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَكُونَ فِي الْفَرْعِ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ احْتَمَلَ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا لِمُعَارِضٍ آخَرَ، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَبَيِّنَاتِهِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي هَدَى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ؟

قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَرَدَّدُ فَرْعٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّحْرِيمُ وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ شَبَهُ الْفَرْعِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَزِمَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَيْسَ قِيَاسُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ فِي تَعْدِيَةِ حُكْمِهِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ النَّصِّ، فَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ النَّصِّ كَحُكْمِ الْأَصْلِ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَكُمْ أَوْلَى مِنْ هَذَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى النُّصُوصِ وَأَشَدُّ مُوَافَقَةً لَهَا مِنْ قِيَاسِكُمْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَحُكْمُ اللَّهِ بِإِيجَابِ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ مَحَبَّتَهُ، وَإِرَادَتَهُ لِوُجُودِهِ، وَعِلْمَهُ بِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>