للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا وَهُوَ مُوَافِقُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ قَدَّمَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَلَى الْقِيَاسِ.

فَقَدَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ، وَقَدَّمَ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُهُ، وَقَدَّمَ حَدِيثَ " أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ " وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الَّذِي تَرَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مُسَاوٍ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ وَالصِّفَةِ لِدَمِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَقَدَّمَ حَدِيثَ «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» - وَأَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، بَلْ بُطْلَانِهِ - عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ بَذْلَ الصَّدَاقِ مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ بَذْلِ الْبُضْعِ، فَمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا.

وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ تَحْرِيمِ صَيْدِ وَجٍّ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَقَدَّمَ خَبَرَ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ مَعَ ضَعْفِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، وَقَدَّمَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ حَدِيثَ «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلِيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ» عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ ضَعْفِ الْخَبَرِ وَإِرْسَالِهِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْبَلَاغَاتِ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ.

[الْخَامِسُ الْقِيَاسُ لِلضَّرُورَةِ]

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَلَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا أَثَرٌ مُرْسَلٌ أَوْ ضَعِيفٌ عَدَلَ إلَى الْأَصْلِ الْخَامِسِ - وَهُوَ الْقِيَاسُ - فَاسْتَعْمَلَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْخَلَّالِ، سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْقِيَاسِ، فَقَالَ: إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَهَذِهِ الْأُصُولُ الْخَمْسَةُ مِنْ أُصُولِ فَتَاوِيهِ، وَعَلَيْهَا مَدَارُهَا، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الْفَتْوَى؛ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ، أَوْ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، أَوْ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ فِيهَا عَلَى أَثَرٍ أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>