للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ - وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١١] «وَقَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ: «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» وَأَمْثَالِ ذَلِكَ

[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَالْمُفْتِي يُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَنْ دِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُهُ مُطَابِقًا لِمَا شَرَعَهُ كَانَ قَائِلًا عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ، وَلَكِنْ إذَا اجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَأَخْطَأَ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَعِيدُ، وَعُفِيَ لَهُ عَنْ مَا أَخْطَأَ بِهِ، وَأُثِيبَ عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَلَمْ يَظْفَرْ فِيهِ بِنَصٍّ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: إنَّ اللَّه حَرَّمَ كَذَا، وَأَوْجَبَ كَذَا، وَأَبَاحَ كَذَا، وَإِنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ؛ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: إيَّاكُمْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِشَيْءٍ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا أَوْ نَهَى عَنْهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: كَذَبْت لَمْ أُحَرِّمْهُ وَلَمْ أَنْهَ عَنْهُ، أَوْ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أَحَلَّ هَذَا أَوْ أَمَرَ بِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: كَذَبْت لَمْ أُحِلَّهُ وَلَمْ آمُرْ بِهِ؛ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ مَا كَانَ يَنْزِلُ بِهِ فَيُسْأَلُ عَنْهُ فَيَجْتَهِدُ فِيهِ رَأْيُهُ: {إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: ٣٢]

[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

. فَصْلٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي أَدَوَاتِ الْفُتْيَا، وَشُرُوطِهَا، وَمَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَأَيْنَ يَسَعُ قَوْلُ الْمُفْتِي " لَا أَدْرِي "؟ .

[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا] .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ عَنْهُ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ، عَالِمًا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، عَالِمًا بِالسُّنَنِ، وَإِنَّمَا جَاءَ خِلَافُ مَنْ خَالَفَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِصَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِيهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ وَيَتَخَيَّرَ فَيَقْضِيَ بِهِ وَيَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ فَيَكُونُ يَعْمَلُ عَلَى أَمْرٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ إلَّا لِرَجُلٍ عَالِمٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>