للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبِعَهُ فِي دِينِهِ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ الْأُمِّ وَحْدَهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الثَّغْرِ أَصَحُّ وَأَسْلَمُ مِنْ التَّنَاقُضِ؛ فَإِنَّ السَّابِيَ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ كَوْنِهِمَا أَسِيرَيْنِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، بَلْ انْقِطَاعُ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا فِي حَالِ أَسْرِهِمَا وَقَهْرِهِمَا وَإِذْلَالِهِمَا وَاسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِمَا أَوْلَى مِنْ انْقِطَاعِهَا حَالَ قُوَّةِ شَوْكَتِهِمَا وَخَوْفِ مَعَرَّتِهِمَا، فَمَا الَّذِي يُسَوِّغُ لَهُ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ وَالشِّرْكَ بِهِ وَأَبَوَاهُ أَسِيرَانِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَمَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبَوَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ مَحْضٌ؟

وَأَيْضًا فَيُقَالُ لَهُمْ: إذَا سُبِيَ الْأَبَوَانِ ثُمَّ قُتِلَا فَهَلْ يَسْتَمِرُّ الطِّفْلُ عَلَى كُفْرِهِ عِنْدَكُمْ أَوْ تَحْكُمُونَ بِإِسْلَامِهِ؟ فَمِنْ قَوْلِكُمْ إنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا لَوْ مَاتَا فَيُقَالُ: وَأَيُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ مَعْنًى مُعْتَبَرٍ أَوْ فَرْقٍ مُؤَثِّرٍ بَيْنَ أَنْ يُقْتَلَا فِي حَالِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ وَالسَّبْيِ؟ وَهَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَجْلِهِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ زَائِلًا بِسَبَائِهِمَا ثُمَّ قَتْلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ؟ وَأَيْضًا فَهَلْ تَعْتَبِرُونَ وُجُودَ الطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي مِلْكِ سَابٍ وَاحِدٍ أَوْ يَكُونُ مَعَهُمَا فِي جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ؟

فَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ الْأَوَّلَ طُولِبْتُمْ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ الثَّانِيَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ انْقِطَاعُ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا وَاسْتِيلَائِهِمَا عَلَيْهِ، وَاخْتِصَاصِهِ بِسَابِيهِ، وَوُجُودِهِمَا بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنَانِ مِنْهُ وَمِنْ تَرْبِيَتِهِ وَحَضَانَتِهِ، وَاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَهُوَ كَوُجُودِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الطِّفْلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ جَعْلِهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، وَقَدْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِمَالِكِهِ وَسَابِيهِ وَمَنْ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ بِوَجْهٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ الْأَبَوَيْنِ قَدْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الْمِيرَاثُ وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ، فَمَا بَالُ وِلَايَةِ الدَّيْنِ الْبَاطِلِ بَاقِيَةٌ وَحْدَهَا؟

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا رَقِيقًا مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى الْأَمْصَارِ، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ فِي تَمْلِيكِهِ لِلْكَافِرِ وَنَقْلِهِ عَنْ يَدِ الْمُسْلِمِ قَطْعًا لِمَا كَانَ بِصَدَدِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَعَالِمِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاعِهِ الْقُرْآنَ، فَرُبَّمَا دَعَاهُ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِهِ، فَلَوْ كَانَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا لَمْ يُمْنَعَا مِنْ شَرَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَبَوَانِ أَنْ تَحْكُمُوا بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبَوَيْنِ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ، وَقَدْ زَالَ مُعَارِضُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَهْوِيدُ الْأَبَوَيْنِ وَتَنْصِيرِهِمَا.

قِيلَ: قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاحْتَجَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>