للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وَيُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَطْرُدُونَ هَذَا فِيمَا لَوْ انْقَطَعَ نَسَبُهُ عَنْ الْأَبِ مِثْلَ كَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِإِسْلَامِهِ بِالْفِطْرَةِ، وَعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ وُجُودُ الْأَبَوَيْنِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ فِي الدَّلِيلِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ اخْتَارَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمَسْبِيِّ أَنَّ الْمَسْبِيَّ قَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَى دِينِهِ، وَصَارَ تَابِعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِأَقَارِبِهِ أَوْ وَصِيِّ أَبِيهِ؛ فَإِنْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ أَوْصِيَائِهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنْ تَهْوِيدِ الْأَبَوَيْنِ وَتَنْصِيرِهِمَا، بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ الْمُسْتَمِرُّ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَإِلَى الْيَوْمِ بِمَوْتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَرْكِهِمْ الْأَطْفَالَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا وُلَاةِ الْأُمُورِ لِأَطْفَالِهِمْ، وَلَمْ يَقُولُوا هَؤُلَاءِ مُسْلِمُونَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُهْمِلُهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَطْرُدُونَ هَذَا الْأَصْلَ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ، فَتَقُولُونَ: إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ طِفْلًا كَافِرًا يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ، أَوْ تَتَنَاقَضُونَ فَتُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّابِي؟ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ مِنْ أَمَتِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ أَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ مِنْهُمْ بِأَمَةٍ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ بَاعَ السَّيِّدُ هَذَا الْوَلَدَ لِمُسْلِمٍ.

قِيلَ: نَعَمْ نَطْرُدُهُ وَنَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ.

قَالَهُ شَيْخُنَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَلَكِنَّ جَادَّةَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا لَوْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَأَوْلَى.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ شَيْخِنَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِلْأَبَوَيْنِ قَدْ زَالَتْ، وَانْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ وَالْمِيرَاثُ وَالْحَضَانَةُ بَيْنَ الطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ، وَصَارَ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ، وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ؛ فَلَا يُفْرَدُ عَنْهُ بِحُكْمٍ، فَكَيْفَ يُفْرَدُ عَنْهُ فِي دِينِهِ؟ وَهَذَا طَرْدُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبَاءِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصَلِّ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ]

فَصْلٌ [لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ]

فَهَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ تُطْلِعُكَ عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَلَا فِي الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>