للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ صَدَقَةُ السَّائِمَةِ وَإِسْقَاطُهَا عَنْ الْعَوَامِلِ]

وَأَمَّا إيجَابُ الشَّارِعِ الصَّدَقَةَ فِي السَّائِمَةِ وَإِسْقَاطُهَا عَنْ الْعَوَامِلِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ:

أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَرْفَعُهُ: «لَيْسَ فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرٍو.

وَالثَّانِي: حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

ثنا النُّفَيْلِيُّ ثنا زُهَيْرٌ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسِبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَى حَدِيثَ النُّفَيْلِيِّ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَرْفَعُوهُ، وَرَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا: «لَيْسَ فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ، وَلَا فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَقْرِ بْنِ حَبِيبٍ: سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ نَقَلَهُ الصَّقْرُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ.

وَبَعْدُ فَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: النَّوَاضِحُ وَالْبَقَرُ السَّوَانِي وَبَقَرُ الْحَرْثِ أَنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الزَّكَاةُ إذَا وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَهُمَا.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد: لَا زَكَاةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ، وَلَا الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ، وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا، وَرُوِيَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَجَابِرٌ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ.

وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ مَعَ الْأَثَرِ النَّظَرُ؛ فَإِنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمَالِ مُعَدًّا لِنَفْعِ صَاحِبِهِ بِهِ كَثِيَابِ بِذْلَتِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَدَارِهِ الَّتِي يَسْكُنُهَا وَدَابَّتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا وَكُتُبِهِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا وَيَنْفَعُ غَيْرَهُ؛ فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي حُلِيِّ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَلْبَسُهُ وَتُعِيرُهُ زَكَاةٌ، فَطَرْدُ هَذَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي بَقَرِ حَرْثِهِ وَإِبِلِهِ الَّتِي يَعْمَلُ فِيهَا بِالدُّولَابِ وَغَيْرِهِ؛ فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، كَمَا أَنَّهُ مُوجِبُ النُّصُوصِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّائِمَةِ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ هَذِهِ مَصْرُوفَةٌ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ إلَى الْعَمَلِ؛ فَهِيَ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>