للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُغْلِقُ عَلَى صَاحِبِهِ بَابَ حُسْنِ التَّصَوُّرِ وَالْقَصْدِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابَيْهِ الشَّافِي وَزَادِ الْمُسَافِرِ، وَعَقَدَ لَهُ بَابًا، فَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّادِ: بَابِ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِغْلَاقِ،

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: عَنْ عَائِشَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ فِي إغْلَاقٍ» فَهَذَا الْغَضَبُ، وَأَوْصَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِوَلِيِّ أَمْرٍ فَقَالَ: إيَّاكَ وَالْغَلْقَ وَالضَّجَرَ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْغَلْقِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ صَاحِبُ حَقٍّ، وَصَاحِبُ الضَّجَرِ لَا يَصِيرُ عَلَى حَقٍّ.

[الصَّبْرُ عَلَى الْحَقِّ] . وَالْأَمْرُ الثَّانِي: التَّحْرِيضُ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَجَعْلِ الرِّضَا بِتَنْفِيذِهِ فِي مَوْضِعِ الْغَضَبِ وَالصَّبْرُ فِي مَوْضِعِ الْقَلَقِ وَالضَّجَرِ، وَالتَّحَلِّي بِهِ وَاحْتِسَابِ ثَوَابِهِ فِي مَوْضِعِ التَّأَذِّي؛ فَإِنَّ هَذَا دَوَاءُ ذَلِكَ الدَّاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَضَعْفِهَا؛ فَمَا لَمْ يُصَادِفْهُ هَذَا الدَّوَاءُ فَلَا سَبِيلَ إلَى زَوَالِهِ؛ هَذَا مَعَ مَا فِي التَّنَكُّرِ لِلْخُصُومِ مِنْ إضْعَافِ نُفُوسِهِمْ، وَكَسْرِ قُلُوبِهِمْ، وَإِخْرَاسِ أَلْسِنَتِهِمْ عَنْ التَّكَلُّمِ بِحُجَجِهِمْ خَشْيَةَ مَعَرَّةِ التَّنَكُّرِ، وَلَا سِيَّمَا أَنْ يَتَنَكَّرَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الدَّاءُ الْعُضَالُ.

[لِلَّهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عُبُودِيَّةٌ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ]

وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ مِمَّا يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهِ الذُّخْرَ " هَذَا عُبُودِيَّةُ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأَمْرِ الَّتِي تُرَادُ مِنْهُمْ وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عُبُودِيَّةٌ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ، سِوَى الْعُبُودِيَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي سَوَّى بَيْنَ عِبَادِهِ فِيهَا؛ فَعَلَى الْعَالِمِ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ نَشْرُ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مَا لَيْسَ عَلَى الْجَاهِلِ، وَعَلَيْهِ مِنْ عُبُودِيَّةِ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مَا لَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى الْحَاكِمِ مِنْ عُبُودِيَّةِ إقَامَةِ الْحَقِّ وَتَنْفِيذِهِ وَإِلْزَامِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْجِهَادِ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عَلَى الْمُفْتِي. وَعَلَى الْغَنِيِّ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَدَاءِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِي مَالِهِ مَا لَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَعَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ مَا لَيْسَ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُمَا.

وَتَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيّ يَوْمًا فِي الْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: هَذَا وَاجِبٌ قَدْ وُضِعَ عَنَّا، فَقَالَ: هَبِي أَنَّهُ قَدْ وُضِعَ عَنْكُنَّ سِلَاحُ الْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَلَمْ يُوضَعْ عَنْكُنَّ سِلَاحُ الْقَلْبِ، فَقَالَتْ: صَدَقْت جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا.

وَقَدْ غَرَّ إبْلِيسُ أَكْثَرَ الْخَلْقِ بِأَنْ حَسَّنَ لَهُمْ الْقِيَامَ بِنَوْعٍ مِنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالِانْقِطَاعِ، وَعَطَّلُوا هَذِهِ الْعُبُودِيَّاتِ، فَلَمْ يُحَدِّثُوا قُلُوبَهُمْ بِالْقِيَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>