للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ فِقْهِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ: " لَا أَعْلَمُ " فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَتَهَيَّأَ لَهُ الْخَيْرُ. وَقَالَ: سَمِعْت ابْنَ هُرْمُزَ يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُوَرِّثَ جُلَسَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ " لَا أَدْرِي "، حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَيْدِيهِمْ يَفْزَعُونَ إلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: " لَا أَدْرِي " نِصْفُ الْعِلْمِ.

وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: وَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ لِمَا لَا يَعْلَمُ: إنِّي أَعْلَمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ: إذَا أَغْفَلَ الْعَالِمُ " لَا أَدْرِي " أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

[طَرِيقَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ]

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى مَالِكٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَمَكَثَ أَيَّامًا مَا يُجِيبُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَأَطْرَقَ طَوِيلًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، يَا هَذَا إنِّي أَتَكَلَّمُ فِيمَا أَحْتَسِبُ فِيهِ الْخَيْرَ، وَلَسْت أُحْسِنُ مَسْأَلَتَك هَذِهِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: الْعَجَلَةُ فِي الْفَتْوَى نَوْعٌ مِنْ الْجَهْلِ وَالْخَرْقِ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ. وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ» ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: الْعَالِمُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ لِي مَالِكٌ وَهُوَ يُنْكِرُ كَثْرَةَ الْجَوَابِ فِي الْمَسَائِلِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا عَلِمْت فَقُلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُقَلِّدَ النَّاسَ قِلَادَةَ سُوءٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو خَلْدَةَ وَكَانَ نِعْمَ الْقَاضِي: يَا رَبِيعَةُ، أَرَاك تُفْتِي النَّاسَ، فَإِذَا جَاءَك الرَّجُلُ يَسْأَلُك فَلَا يَكُنْ هَمُّك أَنْ تَتَخَلَّصَ مِمَّا سَأَلَك عَنْهُ.

وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يَكَادُ يُفْتِي إلَّا قَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي.

وَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَجَبْت فِي الْفَتْوَى حَتَّى سَأَلْت مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي: هَلْ تَرَانِي مَوْضِعًا لِذَلِكَ؟ سَأَلْت رَبِيعَةَ، وَسَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَلَوْ نَهَوْك؟ قَالَ: كُنْت أَنْتَهِي.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَوْلَاهُ عِكْرِمَةَ: اذْهَبْ فَأَفْتِ النَّاسَ وَأَنَا لَك عَوْنٌ، فَمَنْ سَأَلَك عَمَّا يَعْنِيهِ فَأَفْتِهِ، وَمَنْ سَأَلَك عَمَّا لَا يَعْنِيهِ فَلَا تُفْتِهِ، فَإِنَّك تَطْرَحُ عَنْ نَفْسِك ثُلُثَ مُؤْنَةِ النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>