للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: اضْطَجَعَ رَبِيعَةُ مُقَنِّعًا رَأْسَهُ وَبَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيَك؟ فَقَالَ: رِيَاءٌ ظَاهِرٌ، وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ، وَالنَّاسُ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ كَالصِّبْيَانِ فِي إمَامِهِمْ: مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ انْتَهَوْا، وَمَا أُمِرُوا بِهِ ائْتَمَرُوا.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَمِرِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةٍ تَنْقَادُ وَإِنْسَانٌ يُقَلِّدُ.

ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيثِ جَامِعِ بْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نُعَيْمَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَمَنْ اسْتَشَارَ أَخَاهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدِهِ فَقَدْ خَانَهُ، وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا بِغَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إثْمُهَا عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِفْتَاءِ بِالتَّقْلِيدِ، فَإِنَّهُ إفْتَاءٌ بِغَيْرِ ثَبْتٍ؛ فَإِنَّ الثَّبْتَ الْحُجَّةُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ [الِاحْتِجَاجُ عَلَى مَنْ أَجَازَ التَّقْلِيدَ بِحُجَجٍ نَظَرِيَّةٍ]

وَقَدْ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ عَلَى مَنْ أَجَازَ التَّقْلِيدَ بِحُجَجِ نَظَرِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ، فَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَنَا أُورِدُهُ، قَالَ: يُقَالُ لِمَنْ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ: هَلْ لَك مِنْ حُجَّةٍ فِيمَا حَكَمْت بِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: " نَعَمْ " بَطَلَ التَّقْلِيدُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا التَّقْلِيدَ. وَإِنْ قَالَ: " حَكَمْت بِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ " قِيلَ لَهُ: فَلِمَ أَرَقْت الدِّمَاءَ وَأَبَحْت الْفُرُوجَ وَأَتْلَفْت الْأَمْوَالَ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: ٦٨] أَيْ مِنْ حُجَّةٍ بِهَذَا. فَإِنْ قَالَ: " أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْت وَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ الْحُجَّةَ لِأَنِّي قَلَّدْت كَبِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ لَا يَقُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ " قِيلَ لَهُ: إذَا جَازَ تَقْلِيدُ مُعَلِّمِك لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْك فَتَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِك أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَى مُعَلِّمِك كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُك إلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْك، فَإِنْ قَالَ: " نَعَمْ " تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِهِ إلَى تَقْلِيدِ مُعَلِّمِ مُعَلَّمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ نَقَضَ قَوْلَهُ، وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تُجَوِّزُ تَقْلِيدَ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا وَلَا تُجَوِّزُ تَقْلِيدَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عِلْمًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ؟ فَإِنْ قَالَ: " لِأَنَّ مُعَلِّمِي وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إلَى عِلْمِهِ فَهُوَ أَبْصَرُ بِمَا أُخِذَ وَأَعْلَمُ بِمَا تُرِكَ " قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمِك فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مُعَلِّمِك وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إلَى عِلْمِهِ، فَيَلْزَمُك تَقْلِيدُهُ وَتَرْكُ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِك، وَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدَ نَفْسَك مِنْ مُعَلِّمِك؛ لِأَنَّك جَمَعْت عِلْمَ مُعَلِّمِك وَعِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إلَى عِلْمِك، فَإِنْ قَلَّدَ قَوْلَهُ جَعَلَ الْأَصْغَرَ وَمَنْ يُحَدِّثُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>