للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ مَا هُوَ مِثْلُ هَذَا أَوْ فَوْقَهُ، وَأَمْكَنَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ جَمِيعًا: نُفُوذُ قَوْلِكُمْ هَذَا إنْ لَمْ تَأْنَفُوا مِنْ التَّنَاقُضِ يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا قَوْلَ مَتْبُوعِكُمْ لِقَوْلِ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَعْلَمُ وَأَوْرَعُ وَأَزْهَدُ وَأَكْثَرُ اتِّبَاعًا وَأَجَلُّ، فَأَيْنَ أَتْبَاعُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بَلْ أَتْبَاعُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكَثْرَةِ وَالْجَلَالَةِ؟

وَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَمَلَ الْعِلْمَ عَنْهُ ثَمَانُمِائَةِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ، وَهَذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَيْنَ فِي أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ مِثْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ؟ وَأَيْنَ فِي أَتْبَاعِهِمْ مِثْلُ السَّعِيدَيْنِ وَالشَّعْبِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحٍ؟ وَأَيْنَ فِي أَتْبَاعِهِمْ مِثْلُ نَافِعٍ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَمَا الَّذِي جَعَلَ الْأَئِمَّةَ بِأَتْبَاعِهِمْ أَسْعَدَ مِنْ هَؤُلَاءِ بِأَتْبَاعِهِمْ؟ وَلَكِنَّ أُولَئِكَ وَأَتْبَاعَهُمْ عَلَى قَدْرِ عَصْرِهِمْ فَعِظَمُهُمْ وَجَلَالَتُهُمْ وَكُبْرُهُمْ مَنَعَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَقَالُوا بِلِسَانِ قَالِهِمْ وَحَالِهِمْ: هَؤُلَاءِ كِبَارٌ عَلَيْنَا لَسْنَا مِنْ زَبُونِهِمْ، كَمَا صَرَّحُوا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ فَإِنَّ أَقْدَارَهُمْ تَتَقَاصَرُ عَنْ تَلَقِّي الْعِلْمِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَالُوا: لَسْنَا أَهْلًا لِذَلِكَ، لَا لِقُصُورِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَكِنْ لِعَجْزِنَا نَحْنُ وَقُصُورِنَا، فَاكْتَفَيْنَا بِمَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِمَا مِنَّا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَلِمَ تُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِمَا وَحَكَّمَهُمَا وَتَحَاكَمَ إلَيْهِمَا وَعَرَضَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمَا فَمَا وَافَقَهُمَا قَبِلَهُ وَمَا خَالَفَهُمَا رَدَّهُ؟ فَهَبْ أَنَّكُمْ لَمْ تَصِلُوا إلَى هَذَا الْعُنْقُودِ فَلِمَ تُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَذَاقَ حَلَاوَتَهُ؟ وَكَيْفَ تَحَجَّرْتُمْ الْوَاسِعَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ عُقُولِ الْعَالَمِينَ وَلَا اقْتِرَاحَاتِهِمْ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي عَصْرِكُمْ وَنَشَئُوا مَعَكُمْ وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ نَسَبٌ قَرِيبٌ فَاَللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ.

وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ رَدَّ النُّبُوَّةَ بِأَنَّ اللَّهَ صَرَفَهَا عَنْ عُظَمَاءِ الْقُرَى وَمِنْ رُؤَسَائِهَا وَأَعْطَاهَا لِمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٣٢] وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ أُمَّتِي كَالْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ السَّابِقِينَ بِأَنَّهُمْ ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، ثُمَّ قَالَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: ٣] ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>