للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَارَضْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَلَا نَصٌّ وَقِيَاسٌ، بَلْ النَّصُّ فِيهَا وَالْقِيَاسُ مُتَّفِقَانِ، وَالنَّصُّ الْعَامُّ لَا يَتَنَاوَلُ مَوْرِدَ الْخَاصِّ وَلَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ لَفْظِهِ، وَلَوْ قَدَّرَ صَلَاحِيَّةَ لَفْظِهِ لَهُ فَالْخَاصُّ بَيَانٌ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ حُكْمِهِ وَإِبْطَالُهُ، بَلْ يَتَعَيَّنُ إعْمَالُهُ وَاعْتِبَارُهُ، وَلَا تُضْرَبُ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَوْلَى مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ إحْدَى السُّنَّتَيْنِ وَإِلْغَاءَ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ثُمَّ نَقُولُ: الصُّورَةُ الَّتِي أَبْطَلْتُمْ فِيهَا الصَّلَاةَ - وَهِيَ حَالَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ - وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي وَافَقْتُمْ فِيهَا السُّنَّةَ؛ فَإِنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ الْعَصْرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ ابْتَدَأَهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ، وَهُوَ وَقْتٌ نَاقِصٌ، بَلْ هُوَ أَوْلَى الْأَوْقَاتِ بِالنُّقْصَانِ، كَمَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ صَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ حِينَ تَصِيرُ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ حَرِيمًا لَهُ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ فَإِنَّ الْكُفَّارَ حِينَئِذٍ لَا يَسْجُدُونَ لَهَا، بَلْ يَنْتَظِرُونَ بِسُجُودِهِمْ طُلُوعَهَا فَكَيْفَ يُقَالُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ ابْتَدَأَهَا فِي وَقْتٍ تَامٍّ لَا يَسْجُدُ فِيهِ الْكُفَّارُ لِلشَّمْسِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ ابْتَدَأَهَا وَقْتَ سُجُودِ الْكُفَّارِ لِلشَّمْسِ سَوَاءٌ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَارِنُهَا لِيَقَعَ السُّجُودُ لَهُ كَمَا يُقَارِنُهَا وَقْتَ الطُّلُوعِ لِيَقَعَ السُّجُودُ لَهُ؟ فَإِذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا وَقْتَ مُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ لَهَا غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ صِحَّتِهَا فَلَأَنْ تَكُونَ اسْتِدَامَتُهَا وَقْتَ مُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الصِّحَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ فَهَذَا مِنْ أَصَحِّهِ؛ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي خَالَفْتُمْ فِيهَا النَّصَّ أَوْلَى بِالْجَوَازِ قِيَاسًا مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي وَافَقْتُمُوهُ فِيهَا.

وَهَذَا مِمَّا حَصَّلْته عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - وَقْتَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ، وَإِنَّمَا يُقَرِّرُ أَنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ النَّصَّ لِلْقِيَاسِ فَقَدْ وَقَعَ فِي مُخَالِفِ الْقِيَاسِ وَالنَّصِّ مَعًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرُبَتْ الشَّمْسُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَكَانَ مُدْرِكًا لَهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَهَذَا شَطْرُ الْحَدِيثِ، وَشَطْرُهُ الثَّانِي: «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ» .

[رَدُّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي دَفْعِ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ وَصَفَ عِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا]

[دَفْعُ اللُّقَطَةِ إلَى الَّذِي يَصِفُهَا]

الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُحْكَمَةِ الصَّرِيحَةِ فِي دَفْعِ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>