للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلْإِجْمَاعِ فَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالضَّمِينِ وَالتَّأْجِيلِ وَالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَقْدٍ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَهَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ مُوَافِقًا لِلْأُصُولِ وَشُرُوطُ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ أَحَقُّ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ؟ .

[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي دَفْعِ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مُزَارَعَةً]

[الْمُزَارَعَةُ]

الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي دَفْعِ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مُزَارَعَةً، بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ، وَالْأَخْذُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» وَهُوَ: أَنْ يَدْفَعَ حِنْطَةً إلَى مَنْ يَطْحَنُهَا بِقَفِيزٍ مِنْهَا، أَوْ غَزْلُهُ إلَى مَنْ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِجُزْءٍ مِنْهُ أَوْ زَيْتُونَهُ إلَى مَنْ يَعْصِرُهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا غَرَرَ فِيهِ وَلَا خَطَرَ وَلَا قِمَارَ وَلَا جَهَالَةَ وَلَا أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، بَلْ هُوَ نَظِيرُ دَفْعِ مَالِهِ إلَى مَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ، بَلْ أَوْلَى؛ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ الْمَالُ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ مَجَّانًا، وَهَذَا لَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ مَجَّانًا؛ فَإِنَّهُ يَطْحَنُ الْحَبَّ وَيَعْصِرُ الزَّيْتُونَ وَيَحْصُلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا لِمَالِكِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَنْعُ مِنْهُ مُوَافِقًا لِلْأُصُولِ وَالْمُزَارَعَةُ الَّتِي فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ خِلَافَ الْأُصُولِ؟ .

[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي صَيْدُ الْمَدِينَةِ]

[صَيْدُ الْمَدِينَةِ]

الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ الَّتِي رَوَاهَا بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا فِي أَنَّ الْمَدِينَةَ حَرَمٌ يَحْرُمُ صَيْدُهَا، وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأُصُولِ، وَمُعَارَضَتُهَا بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، أَيُّ الْأُصُولِ الَّتِي خَالَفَتْهَا هَذِهِ السُّنَنُ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُصُولِ؟ فَهَلَّا رُدَّ حَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ هَذِهِ الْأُصُولَ؟ وَنَحْنُ نَقُولُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَرُدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةً صَحِيحَةً غَيْرَ مَعْلُومَةِ النَّسْخِ أَبَدًا، وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ يَحْتَمِلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ قَدْ ذَهَبَ إلَى كُلٍّ مِنْهَا طَائِفَةٌ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا مُعَارِضًا لَهَا فَيَكُونُ نَاسِخًا، الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ النُّغَيْرُ مِمَّا صِيدَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ أُدْخِلَ الْمَدِينَةَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ الصَّيُودِ، الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ رُخْصَةً لِذَلِكَ الصَّغِيرِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا رُخِّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ فِي التَّضْحِيَةِ بِالْعَنَاقِ دُونَ غَيْرِهِ؛ فَهُوَ مُتَشَابِهٌ كَمَا تَرَى، فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا يُقَدَّمُ عَلَى تِلْكَ النُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ الْمُحْكَمَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>