للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُلُوسِ عَلَى فِرَاشِ الْحَرِيرِ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ» وَلَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا النَّصُّ لَكَانَ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِهِ مُتَنَاوِلًا لِافْتِرَاشِهِ كَمَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلِالْتِحَافِ بِهِ، وَذَلِكَ لُبْسٌ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا قَالَ أَنَسٌ: قُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ اللَّفْظُ الْعَامُّ الْمُتَنَاوِلُ لِافْتِرَاشِهِ بِالنَّهْيِ لَكَانَ الْقِيَاسُ الْمَحْضُ مُوجِبًا لِتَحْرِيمِهِ، إمَّا قِيَاسُ الْمِثْلِ أَوْ قِيَاسُ الْأَوْلَى؛ فَقَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الِافْتِرَاضِ النَّصُّ الْخَاصُّ وَاللَّفْظُ الْعَامُّ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَمِنْ الْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَرِيرُ بِطَانَةَ الْفِرَاشِ دُونَ ظِهَارَتِهِ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ التَّحْرِيمُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُبَاشَرَةُ الْحَرِيرِ وَعَدَمُهَا كَحَشْوِ الْفِرَاشِ بِهِ؛ فَإِنْ صَحَّ الْفَرْقُ بَطَلَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ بَطَلَ الْفَرْقُ مُنِعَ الْحُكْمُ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَحَرَّمُوهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَابَلَهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ لِلنَّوْعَيْنِ، وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ وَأَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ لُبْسُهُ أُبِيحَ لَهُ افْتِرَاشُهُ وَمَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.

[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي خَرْصِ الثِّمَارِ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَرَايَا وَغَيْرِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا]

[خَرْصُ الثِّمَارِ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَرَايَا] : الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي خَرْصِ الثِّمَارِ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَرَايَا وَغَيْرِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَبْعَثُ مَنْ يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ: ثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ يَقُولُ: أَتَانَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ إلَى مَجْلِسِنَا فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ؛ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ، وَرَوَى فِيهَا أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى يَهُودَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخْبِرُ يَهُودَ فَيَأْخُذُونَهُ بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَمْ يَدْفَعُونَهُ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْخَرْصِ، لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>