للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَقَرَّهُمْ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ وَسَمَاعِهِ؛ لِعِلْمِهِ بِبِرِّ قُلُوبِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنْ كُلِّ دَنَسٍ وَعَيْبٍ، وَأَنَّ هَذَا إذَا وَقَعَ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيْ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ مَدْحِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَذَمِّ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ فَمَفْسَدَتُهُ مَغْمُورَةٌ جِدًّا فِي جَنْبِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ هَزِّ النُّفُوسِ وَاسْتِمَالَةِ إصْغَائِهَا وَإِقْبَالِهَا عَلَى الْمَقْصُودِ بَعْده، وَعَلَى هَذَا جَرَتْ عَادَةُ الشُّعَرَاءِ بِالتَّغَزُّلِ بَيْنَ يَدِي الْأَغْرَاضِ الَّتِي يُرِيدُونَهَا بِالْقَصِيدِ. وَمِنْهُ تَقْرِيرُهُمْ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ السَّلَامِ، بِحَيْثُ كَانَ مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَعْرِفُ انْقِضَاءَ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ، وَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهِمْ.

فَصْلٌ

[نَقْلُ التَّرْكِ]

وَأَمَّا نَقْلُهُمْ لِتَرْكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَوْعَانِ، وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ؛ أَحَدُهُمَا: تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ تَرَكَ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ، كَقَوْلِهِ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: «وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» وَقَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ «لَمْ يَكُنْ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَلَا نِدَاءٌ» وَقَوْلِهِ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ «وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى أَثَرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» وَنَظَائِرُهُ.

وَالثَّانِي: عَدَمُ نَقْلِهِمْ لِمَا لَوْ فَعَلَهُ لَتَوَفَّرَتْ هِمَمُهُمْ وَدَوَاعِيهِمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى نَقْلِهِ؛ فَحَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَلْبَتَّةَ وَلَا حَدَّثَ بِهِ فِي مَجْمَعٍ أَبَدًا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا كَتَرْكِهِ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَرْكِهِ الدُّعَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ دَائِمًا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَتَرْكِهِ رَفْعَ يَدَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت» يَجْهَرُ بِهَا وَيَقُولُ الْمَأْمُومُونَ كُلُّهُمْ " آمِينَ ".

وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَنْقُلُهُ عَنْهُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ وَلَا رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مُوَاظِبٌ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُوَاظَبَةَ لَا يُخِلُّ بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا، وَتَرْكِهِ الِاغْتِسَالَ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ وَلِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَمِنْ هَا هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ سُنَّةٌ، فَإِذَا اسْتَحْبَبْنَا فِعْلَ مَا تَرَكَهُ كَانَ نَظِيرَ اسْتِحْبَابِنَا تَرْكَ مَا فَعَلَهُ، وَلَا فَرْقَ.

فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَعَدَمُ النَّقْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْلَ الْعَدَمِ؟ فَهَذَا سُؤَالٌ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ مَعْرِفَةِ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا السُّؤَالُ وَقُبِلَ لَاسْتَحَبَّ لَنَا مُسْتَحِبٌّ الْأَذَانَ لِلتَّرَاوِيحِ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ؟ وَاسْتَحَبَّ لَنَا مُسْتَحِبٍّ آخَرُ الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ؟ وَاسْتَحَبَّ لَنَا مُسْتَحِبٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>