للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْعُذْرِ، كَحَدِيثِ أَنَسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا» وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَكَقَوْلِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ مَعَ الْعَصْرِ فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ» وَهُوَ فِي السُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَعِلَّتُهُ وَاهِيَةٌ، وَكَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ، وَإِذَا لَمْ تَزِغْ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إذَا حَانَتْ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِذَا حَانَتْ لَهُ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا لَمْ تَحْنِ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إذَا كَانَ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا» وَهَذَا مُتَابِعٌ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ: «وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ» وَكَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ» كَانَتْ هَذِهِ سُنَنٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالصَّرَاحَةِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا؛ فَرُدَّتْ بِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ

، وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ ثَابِتَةٌ بِالتَّوَاتُرِ، كَحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَاتِهِ بِهِ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ قَالَ: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» فَهَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ، وَهَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّائِلِ فِي الْمَدِينَةِ سَوَاءٌ صَلَّى بِهِ كُلَّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَآخِرِهِ وَقَالَ: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» وَقَالَ: «وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الَّتِي تَلِيهَا» وَيَكْفِي لِلسَّائِلِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ بَيَّنَهَا لَهُ بِفِعْلِهِ: «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» فَهَذَا بَيَانٌ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهَذِهِ أَحَادِيثُ مُحْكَمَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي تَفْصِيلِ الْأَوْقَاتِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأُمَّةِ.

وَجَمِيعُهُمْ احْتَجُّوا بِهَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَقَدَّمْتُمْ عَلَيْهَا أَحَادِيثَ مُجْمَلَةً مُحْتَمَلَةً فِي الْجَمْعِ غَيْرَ صَرِيحَةٍ فِيهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْجَمْعَ فِي الْفِعْلِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهَا الْجَمْعُ فِي الْوَقْتِ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ الصَّرِيحُ الْمُبَيِّنُ لِلْمُجْمَلِ الْمُحْتَمَلِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَرْكٌ لِلْمُحْكَمِ وَأَخْذٌ بِالْمُتَشَابِهِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا أَنْكَرْتُمُوهُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>