للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْظَمُ مِنْهَا؟ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَسَلْهُ: هَلْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مُحَلِّلٌ وَاحِدٌ أَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى التَّحْلِيلِ؟ وَسَلْهُ لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أُوتَى بِمُحَلَّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا.

وَسَلْهُ: كَيْفَ تَكُونُ الْمُتْعَةُ حَرَامًا نَصًّا مَعَ أَنَّ الْمُسْتَمْتِعَ لَهُ غَرَضٌ فِي نِكَاحِ الزَّوْجَةِ إلَى وَقْتٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ غَيْرَ دَاخِلٍ عَلَى النِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْمُحَرَّمِ؟ فَكَيْفَ يَكُونُ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ الَّذِي إنَّمَا قَصْدُهُ أَنْ يُمْسِكَهَا سَاعَةً مِنْ زَمَانٍ أَوْ دُونَهَا، وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي النِّكَاحِ أَلْبَتَّةَ؟ بَلْ قَدْ شَرَطَ انْقِطَاعَهُ وَزَوَالَهُ إذَا أَخْبَثَهَا بِالتَّحْلِيلِ، فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ فِي عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ تَحْلِيلُ هَذَا وَتَحْرِيمُ الْمُتْعَةِ؟ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُتْعَةَ أُبِيحَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَفَعَلَهَا الصَّحَابَةُ، وَأَفْتَى بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَمْ يُبَحْ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ قَطُّ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا أَفْتَى بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؟ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بَيَانَ تَحْرِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَبُطْلَانِهِ وَذِكْرِ مَفَاسِدِهِ وَشَرِّهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي سِفْرًا ضَخْمًا نَخْتَصِرُ فِيهِ الْكَلَامَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا شَأْنُ التَّحْلِيلِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَصْحَابِ رَسُولِهِ، فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إذَا جَمَعُوهَا لِيَكُفُّوا عَنْهُ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحَرَّمُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى عَوْدِهَا بِالتَّحْلِيلِ، فَلَمَّا تَغَيَّرَ الزَّمَانُ، وَبَعُدَ الْعَهْدِ بِالسَّنَةِ وَآثَارِ الْقَوْمِ، وَقَامَتْ سُوقُ التَّحْلِيلِ وَنَفَّقَتْ فِي النَّاسِ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُرَدَّ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلِيفَتِهِ مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا يُعَطِّلُ سُوقَ التَّحْلِيلِ أَوْ يُقَلِّلُهَا وَيُخَفِّفُ شَرَّهَا، وَإِذَا عَرَضَ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَبَصَّرَهُ بِالْهُدَى وَفَقَّهَهُ فِي دِينِهِ مَسْأَلَةُ كَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَمَسْأَلَةُ التَّحْلِيلِ وَوَازَنَ بَيْنَهُمَا تَبَيَّنَ لَهُ التَّفَاوُتُ، وَعُلِمَ أَيُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْلَى بِالدِّينِ وَأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ.

فَهَذِهِ حُجَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَدْ عُرِضَتْ عَلَيْك، وَقَدْ أُهْدِيَتْ إنْ قَبِلْتَهَا إلَيْك، وَمَا أَظُنُّ عَمَى التَّقْلِيدِ إلَّا يَزِيدُ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَدَعُ التَّوْفِيقَ يَقُودَك اخْتِيَارًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَشَرْنَا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إشَارَةً تُطْلِعُ الْعَالِمَ عَلَى مَا وَرَاءَهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ

فَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَمْرُ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَمْنَعُ التَّحْلِيلَ، أَفْتَى بِهَا الْمُفْتِي، وَقَدْ قَالَ بِهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَهِيَ خَيْرٌ مِنْ التَّحْلِيلِ، حَتَّى لَوْ أَفْتَى الْمُفْتِي بِحِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، لَكَانَ أَعْذَرَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِ التَّحْلِيلِ، وَإِنْ اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مُخَالَفَةِ النَّصِّ؛ فَإِنَّ النُّصُوصَ الْمَانِعَةَ مِنْ التَّحْلِيلِ الْمُصَرِّحَةَ بِلَعْنِ فَاعِلِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَالصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ مُجْمِعُونَ عَلَيْهَا، وَالنُّصُوصُ الْمُشْتَرِطَةُ لِلدُّخُولِ لَا تَبْلُغُ مَبْلَغَهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا التَّابِعُونَ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>