للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْك حَفْصَةُ، قَالَتْ: قَدْ حَلَفْت بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك وَخَلِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ.

فَقَدْ تَبَيَّنَ بِسِيَاقِ هَذِهِ الطُّرُقِ انْتِفَاءُ الْعِلَّةِ الَّتِي أُعِلَّ بِهَا حَدِيثُ لَيْلَى هَذَا، وَهِيَ تُفْرِدُ التَّيْمِيَّ فِيهِ بِذِكْرِ الْعِتْقِ، كَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " لَمْ يَقُلْ: وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ إلَّا التَّيْمِيَّ " وَبَرِئَ التَّيْمِيُّ مِنْ عُهْدَةِ التَّفَرُّدِ، وَقَاعِدَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الصَّحَابَةُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ؛ فَعَلَى أَصْلِهِ الَّذِي بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهَذَا الْأَثَرِ لِصِحَّتِهِ وَانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِلْحَدِيثِ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الَّتِي مَنَعَتْ الْإِمَامَ أَحْمَدَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ حِينَ حَلَفَتْ بِكَذَا وَكَذَا وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، فَأَفْتَيْت بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ، فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ حِين أَفْتَيَا فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ جَارِيَتِهِ وَأَيْمَانٍ فَقَالَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ.

قُلْت: يُرِيدُ بِهِمَا مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَاضِرٍ، قَالَ: حَلَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ ذِي أَصْبَحَ فَقَالَتْ مَالُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَارِيَتُهَا حُرَّةٌ إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، لِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ زَوْجُهَا، فَحَلَفَ زَوْجُهَا أَنْ لَا تَفْعَلَهُ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ، فَقَالَا: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا: " مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَتَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهَا؛ فَقِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَثَرٌ مَعْلُولٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُثْمَانُ، هَذَا وَحَدِيثُ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ أَشْهَرُ إسْنَادًا وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، فَإِنَّ رُوَاتَهُ حُفَّاظٌ أَئِمَّةٌ، وَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ، قَالَ: يُكَفِّرُ يَمِينَهُ، وَغَايَةُ هَذَا الْأَثَرِ إنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَتَانِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا فِي قَوْلِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ: " كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ إنْ لَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَك " كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا عَنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ سِوَى هَذَا الْأَثَرِ الْمَعْلُولِ أَثَرِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَاضِرٍ] فِي قَوْلِ الْحَالِفِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ فَعَلَ أَنَّهُ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يُلْزِمُوهُ بِالْعِتْقِ الْمَحْبُوبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْ لَا يُلْزِمُوهُ بِالطَّلَاقِ الْبَغِيضِ إلَى اللَّهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِهِ لِأَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>