للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غِذَاءٌ وَدَوَاءٌ، وَنَوَاهِيهَا حِمْيَةٌ وَصِيَانَةٌ، وَظَاهِرُهَا زِينَةٌ لِبَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا أَجْمَلُ مِنْ ظَاهِرِهَا، شِعَارُهَا الصِّدْقُ، وَقَوَامُهَا الْحَقُّ، وَمِيزَانُهَا الْعَدْلُ، وَحُكْمُهَا الْفَصْلُ، لَا حَاجَةَ بِهَا أَلْبَتَّةَ إلَى أَنْ تُكَمَّلَ بِسِيَاسَةِ مَلِكٍ أَوْ رَأْيِ ذِي رَأْيٍ أَوْ قِيَاسِ فَقِيهٍ أَوْ ذَوْقِ ذِي رِيَاضَةٍ أَوْ مَنَامِ ذِي دِينٍ وَصَلَاحٍ، بَلْ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ أَعْظَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَمَنْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ فَلِاعْتِمَادِهِ وَتَعْوِيلِهِ عَلَيْهَا.

لَقَدْ أَكْمَلَهَا الَّذِي أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِشَرْعِهَا قَبْلَ سِيَاسَاتِ الْمُلُوكِ، وَحِيلَ الْمُتَحَيِّلِينَ، وَأَقْيِسَةِ الْقِيَاسِيِّينَ، وَطَرَائِقِ الْخِلَافِيِّينَ، وَأَيْنَ كَانَتْ هَذِهِ الْحِيَلُ وَالْأَقْيِسَةُ وَالْقَوَاعِدُ الْمُتَنَاقِضَةُ وَالطَّرَائِقُ الْقِدَدُ وَقْتَ نُزُولِ قَوْلِهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: ٣] ؟ وَأَيْنَ كَانَتْ يَوْمَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلَّا هَالِكٌ» .

وَيَوْمَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنْ النَّارِ إلَّا أَعْلَمْتُكُمُوهُ»

؟ وَأَيْنَ كَانَتْ عِنْدَ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ: لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إلَّا ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا.

وَعِنْدَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِسَلْمَانَ: لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ: أَجَلْ؟ فَأَيْنَ عَلَّمَهُمْ الْحِيَلَ وَالْمُخَادَعَةَ وَالْمَكْرَ وَأَرْشَدَهُمْ إلَيْهِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ؟ كَلًّا وَاَللَّهِ، بَلْ حَذَّرَهُمْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَأَوْعَدَهُمْ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْوَعِيدِ، وَجَعَلَهُ مُنَافِيًا لِلْإِيمَانِ، وَأَخْبَرَ عَنْ لَعْنَةِ الْيَهُودِ لِمَا ارْتَكَبُوهُ، وَقَالَ لِأُمَّتِهِ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتْ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدْنَى الْحِيَلِ» ، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ، وَسَدَّ الذَّرَائِعَ، وَفَصَّلَ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ، وَبَيَّنَ الْحُدُودَ، وَقَسَّمَ شَرِيعَتَهُ إلَى حَلَالٍ بَيِّنٍ وَحَرَامٍ بَيِّنٍ، وَبَرْزَخَ بَيْنَهُمَا؛ فَأَبَاحَ الْأَوَّلَ، وَحَرَّمَ الثَّانِي، وَحَضَّ الْأُمَّةَ عَلَى اتِّقَاءِ الثَّالِثِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عُقُوبَةِ الْمُحْتَالِينَ عَلَى حِلِّ مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِسْقَاطِ مَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا النَّاسُ: لَقَدْ مُسِخَ الْيَهُودَ قِرَدَةً بِدُونِ هَذَا، وَصَدَقَ وَاَللَّهِ لَآكِلُ حُوتٍ صِيدَ يَوْمَ السَّبْتِ أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقَلُّ جُرْمًا مِنْ آكِلِ الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالْحِيَلِ وَالْمُخَادَعَةِ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: عُجِّلَ لِأُولَئِكَ عُقُوبَةُ تِلْكَ الْأَكْلَةِ الْوَخِيمَةِ وَأُرْجِئَتْ عُقُوبَةُ هَؤُلَاءِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: وَهَلْ أَصَابَ الطَّائِفَةَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَسْخُ إلَّا بِاحْتِيَالِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ بِأَنْ حَفَرُوا الْحَفَائِرَ عَلَى الْحِيتَانِ فِي يَوْمِ سَبْتِهِمْ فَمَنَعُوهَا الِانْتِشَارَ يَوْمَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>