للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْجِمَاعِ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ نِيَّتُهُ قَطْعَ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ الْفِعْلِ بِالنِّيَّةِ الْجَازِمَةِ لِلْإِفْطَارِ، فَصَادَفَهُ الْجِمَاعُ وَهُوَ مُفْطِرٌ بِنِيَّةِ الْإِفْطَارِ السَّابِقَةِ عَلَى الْفِعْلِ، فَلَمْ يَفْطُرْ بِهِ، فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَتَضَمَّنَ الْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ مُنَاقَضَةَ الدِّينِ وَإِبْطَالَ الشَّرَائِعِ؟

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْحَجِّ]

وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا خَافَ الْفَوْتَ وَخَشِيَ الْقَضَاءَ مِنْ قَابِلٍ فَالْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ، فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَقَدْ أَسْلَمَ إسْلَامًا مُسْتَأْنَفًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَمَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَدِينٍ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ مُنَاقِضَةٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مُنَاقَضَةٍ، فَهُوَ فِي شِقٍّ وَالْإِسْلَامُ فِي شِقٍّ.

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ]

وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَرَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَكِيلِهِ قِبَلَهُ، فَالْحِيلَةُ فِي حَلِفِهِ صَادِقًا أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ حَقَّهُ ثُمَّ يُغْلِقُ عَلَيْهِ الْبَابَ وَيَمْضِيَ مَعَ الْوَكِيلِ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَكِيلِهِ قِبَلَهُ حَلَفَ صَادِقًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْبَيْتِ فَشَأْنُهُ وَشَأْنُ صَاحِبِ الْحَقِّ.

وَهَذِهِ شَرٌّ مِنْ حِيلَةِ الْيَهُودِ أَصْحَابِ الْحِيتَانِ، وَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ حِيلَ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، فَمَا لِدِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِدْخَالِهَا فِيهِ؟ وَلَا يُجْدِي عَلَيْهِ هَذَا الْفِعْلُ فِي بِرِّهِ بِالْيَمِينِ شَيْئًا، بَلْ هُوَ حَانِثٌ كُلَّ الْحِنْثِ؛ إذْ لَمْ يَتَمَكَّنُ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ الظَّفَرِ بِحَقِّهِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ؟ وَإِنَّمَا يَبْرَأُ مِنْهُ إذَا تَمَكَّنَ صَاحِبُهُ مِنْ قَبْضِهِ وَعَدَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ.

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ]

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُسْقِطَ زَكَاتَهَا، قَالُوا: فَالْحِيلَةُ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْقِنْيَةَ.

فِي آخِرِ الْحَوْلِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ يَنْقُضَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَيُعِيدَهَا لِلتِّجَارَةِ، فَيَسْتَأْنِفَ بِهَا حَوْلًا، ثُمَّ يَفْعَلَ هَكَذَا فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا أَبَدًا.

فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، أَيَرُوجُ هَذَا الْخِدَاعُ وَالْمَكْرُ وَالتَّلْبِيسُ عَلَى أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ؟ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ كَمَا هِيَ مُخَادَعَةٌ لِلَّهِ، وَمَكْرٌ بِدِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>