للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا إذَا نَبَذَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَقَلَّدَ مَنْ نَهَاهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ، وَقَالَ لَهُ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقُولَ بِقَوْلِي إذَا خَالَفَ السُّنَّةَ، وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَلَا تَعْبَأْ بِقَوْلِي، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ كَانَ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبًا لَا فُسْحَةَ لَهُ فِيهِ، وَحَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ إلَّا اتِّبَاعَ الْحُجَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ هَذِهِ الْحِيَلَ، وَلَا يَدُلُّهُمْ عَلَيْهَا، وَلَوْ بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُفْتِي بِهَا وَلَا يَعْلَمُهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ بِهِ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى اطِّلَاعٍ عَلَى أَحْوَالِ الْقَوْمِ وَسِيرَتِهِمْ وَفَتَاوِيهمْ، هَذَا الْقَدْرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الدِّينِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ.

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَصْحِيحِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

فَصْلٌ

فَلْنَرْجِعْ إلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ بَيَانُ بُطْلَانِ هَذِهِ الْحِيَلِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَأَنَّهَا لَا تَتَمَشَّى لَا عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَمَصَالِحِهِ وَحُكْمِهِ وَلَا عَلَى أُصُولِ الْأَئِمَّةِ [إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَصْحِيحِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

قَالَ شَيْخُنَا: وَمِنْ الْحِيَلِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي لَا أَعْلَمُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الطَّوَائِفِ خِلَافًا فِي تَحْرِيمِهَا أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى جِهَاتٍ مُتَّصِلَةٍ، فَيَقُولُ لَهُ أَرْبَابُ الْحِيَلِ: أَقِرَّ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي بِيَدِكَ وَقْفٌ عَلَيْك مِنْ غَيْرِك، وَيُعَلِّمُونَهُ الشُّرُوطَ الَّتِي يُرِيدُ إنْشَاءَهَا، فَيَجْعَلُهَا إقْرَارًا؛ فَيُعَلِّمُونَهُ الْكَذِبَ فِي الْإِقْرَارِ، وَيَشْهَدُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَيَحْكُمُونَ بِصِحَّتِهِ، وَلَا يَسْتَرِيبُ مُسْلِمٌ فِي أَنَّ هَذَا حَرَامٌ؛ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ شَهَادَةٌ مِنْ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُلَقِّنُ شَهَادَةَ الزُّورِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِصِحَّتِهَا؟ ثُمَّ إنْ كَانَ وَقْفُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بَاطِلًا فِي دِينِ اللَّهِ فَقَدْ عَلَّمْتُمُوهُ حَقِيقَةَ الْبَاطِلِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا قَبْلَ الْإِقْرَارِ، وَلَا صَارَ وَقْفًا بِالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ، فَيَصِيرُ الْمَالُ حَرَامًا عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ وَقْفُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحًا فَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَكَلُّفِ الْكَذِبِ.

قُلْتُ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ يُسَوَّغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَإِذَا وَقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ لِصِحَّتِهِ مَسَاغٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ لَسَاغَ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِوَقْفِهِ مِنْ غَيْرِ إنْشَاءٍ مُتَقَدِّمٍ فَكَذِبٌ بَحْتٌ، وَلَا يَجْعَلُهُ ذَلِكَ وَقْفًا اتِّفَاقًا، إذْ أُخِذَ الْإِقْرَارُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ تَقْلِيدَ الْإِنْسَانِ لِمَنْ يُفْتِي بِهَذَا الْقَوْلِ وَيَذْهَبُ إلَيْهِ أَقْرَبُ إلَى الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مِنْ تَوَصُّلِهِ إلَيْهِ بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>