للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ]

وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ التَّحَيُّلُ عَلَى إسْقَاطِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ حَقًّا لِلشَّرِيكِ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَالتَّحَيُّلُ لِإِبْطَالِهَا مُنَاقِضٌ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَإِبْطَالٌ لِهَذَا الْحُكْمِ بِطَرِيقِ التَّحَيُّلِ.

وَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا مِنْ الْحِيَلِ.

مِنْهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى مِقْدَارِ الثَّمَنِ، ثُمَّ عِنْدَ الْعَقْدِ يَصْبِرُهُ صُبْرَةً غَيْرَ مَوْزُونَةٍ، فَلَا يَعْرِفُ الشَّفِيعُ مَا يَدْفَعُ، فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الثَّمَنِ، فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ حَلَفَ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِقِيمَتِهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَهَبَ الشِّقْصَ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَهَبَهُ الْمُشْتَرِي مَا يُرْضِيهِ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، وَهَذَا بَيْعٌ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظَا بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِنَظِيرِ الْمَوْهُوبِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ الشِّقْصَ، وَيَضُمَّ إلَيْهِ سِكِّينًا أَوْ مَنْدِيلًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَيَصِيرُ حِصَّةُ الشِّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ مَجْهُولَةً.

وَهَذَا لَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ [هـ] بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالْأَجْزَاءِ، وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ.

وَهَذَا الشِّقْصُ مُسْتَحَقٌّ شَرْعًا؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الشَّفِيعَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهُ بِالْحِيلَةِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ الشِّقْصَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ يُصَارِفَهُ عَنْ كُلِّ دِينَارٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَإِذَا أَرَادَ أَخْذَهُ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ.

وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَا تُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَخْذَهُ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ الْعَقْدُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَظْهَرَاهُ مِنْ الْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي تَوَاطَأَ عَلَيْهِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ؛ فَاَلَّذِي يَرْجِعُ بِهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الَّذِي يَدْفَعُهُ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْأَخْذِ.

هَذَا مَحْضُ الْعَدْلِ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَلَا تَحْتَمِلُ الشَّرِيعَةُ سِوَاهُ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ بَائِعُ الشِّقْصِ مِنْ الْمُشْتَرِي عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَبِيعُهُ الشِّقْصَ بِالْأَلْفِ.

وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَا تُبْطِلُ الشُّفْعَةَ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>