للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ الشِّقْصَ بِأَلْفٍ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً، ثُمَّ يُبْرِئُهُ الْبَائِعُ مِنْ تِسْعِ مِائَةٍ.

وَهَذَا لَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ جُزْءًا مِنْ الشِّقْصِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، ثُمَّ يَهَبَ لَهُ بَقِيَّةَ الشِّقْصِ.

وَهَذَا لَا يُسْقِطُهَا، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ كُلَّهُ بِالثَّمَنِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَالْمَوْهُوبُ هُوَ الْمَبِيعُ بِعَيْنِهِ، وَلَا تُغَيَّرُ حَقَائِقُ الْعُقُودِ وَأَحْكَامُهَا الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَةِ.

وَلَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يُغَيِّرَ حُكْمَ الْعَقْدِ بِتَغْيِيرِ عِبَارَتِهِ فَقَطْ مَعَ قِيَامِ حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا لَوْ أَرَادَ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يَهَبَهُ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ الشِّقْصِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ يَهَبُهُ مَا يُسَاوِي مِائَةَ أَلْفٍ بِلَا عِوَضٍ؟ وَكَيْفَ يَشْتَرِي مِنْهُ.

الْآخَرُ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا سَفَهٌ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْحِيلَةِ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي ذَلِكَ، وَلَا فِي إبْطَالِ حَقِّ مُسْلِمٍ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي هَذِهِ الْحِيَلِ وَأَشْبَاهِهَا: مَنْ يَخْدَعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ، وَالْحِيلَةُ خَدِيعَةٌ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الْخَدِيعَةُ لِمُسْلِمٍ» وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَمَّ الْمُخَادِعِينَ، وَالْمُتَحَيِّلُ مُخَادِعٌ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ شُرِعَ التَّحَيُّلُ لِإِبْطَالِهَا لَكَانَ عَوْدًا عَلَى مَقْصُودِ الشَّرِيعَةِ بِالْإِبْطَالِ، وَلَلَحِقَ الضَّرَرُ الَّذِي قَصَدَ إبْطَالَهُ.

[فَصْلٌ التَّحَيُّلُ عَلَى إبْطَالِ الْقِسْمَةِ]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَفْوِيتِ حَقِّ الْقِسْمَةِ]

وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ التَّحَيُّلُ عَلَى إبْطَالِ الْقِسْمَةِ فِي الْأَرْضِ الْقَابِلَةِ لَهَا، بِأَنْ يَقِفَ الشَّرِيكُ مِنْهَا سَهْمًا مِنْ مِائَةِ أَلْفِ سَهْمٍ مَثَلًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ، فَيَصِيرُ الشَّرِيكُ شَرِيكًا فِي الْوَقْفِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ؛ فَتَبْطُلُ.

وَهَذِهِ حِيلَةٌ فَاسِدَةٌ بَارِدَةٌ لَا تُبْطِلُ حَقَّ الشَّرِيكِ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَتَجُوزُ الْقِسْمَةُ وَلَوْ وَقَفَ حِصَّتَهُ كُلَّهَا؛ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ حَقٍّ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مُعَاوَضَةً، وَهِيَ غَيْرُ الْبَيْعِ حَقِيقَةً وَاسْمًا وَحُكْمًا وَعُرْفًا، وَلَا يُسَمَّى الْقَاسِمُ بَائِعًا لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، وَلَا يُقَالُ لِلشَّرِيكَيْنِ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>