للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا] : وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ التَّحَيُّلُ عَلَى نَفْسِ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَالْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ، بِأَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَذْكُرَ تَبْقِيَتَهُ ثُمَّ يُخَلِّيَهُ إلَى وَقْتِ كَمَالِهِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُهُ وَقْتَ إدْرَاكِهِ، وَهَذَا هُوَ نَفْسُ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ بِأَدْنَى الْحِيَلِ، وَوَجْهُ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ الْقَطْعُ، فَيَصِحُّ وَيَنْصَرِفُ إلَى مُوجِبِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، ثُمَّ الْقَطْعُ حَقٌّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِهِ جَازَ، وَوَجْهُ بُطْلَانِ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهِ لِلْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُفْضِي إلَيْهَا مِنْ التَّشَاجُرِ وَالتَّشَاحُنِ، فَإِنَّ الثِّمَارَ تُصِيبُهَا الْعَاهَاتُ كَثِيرًا، فَيُفْضِي بَيْعُهَا قَبْلَ كَمَالِهَا إلَى أَكْلِ مَالِ الْمُشْتَرِي بِالْبَاطِلِ، كَمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَا تَرْفَعُ الْمَفْسَدَةَ، وَلَا تُزِيلُ بَعْضَهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَالنَّاسَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى الثِّمَارَ وَهِيَ شِيصٌ لَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا لِلْقَطْعِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا لِهَذَا الْغَرَضِ لَكَانَ سَفَهًا وَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَالْخَوْخُ وَالْإِجَّاصُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي لَا يَنْتَفِعُ بِهَا قَبْلَ إدْرَاكِهَا، لَا يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ إلَّا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الشَّرْطِ بِلِسَانِهِ فَهُوَ قَائِمٌ بِقَلْبِهِ وَقَلْبِ الْبَائِعِ، وَفِي هَذَا تَعْطِيلٌ لِلنَّصِّ وَلِلْحِكْمَةِ الَّتِي نَهَى الشَّارِعُ لِأَجْلِهَا؛ أَمَّا تَعْطِيلُ الْحِكْمَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا تَعْطِيلُ النَّصِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى مَا إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَفْظًا، فَلَوْ سَكَتَ عَنْ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ وَهُوَ مُرَادُهُ وَمُرَادُ الْبَائِعِ جَازَ، وَهَذَا تَعْطِيلٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَإِسْقَاطٌ لِحِكْمَتِهِ.

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ شَيْءٍ حَلَفَ أَلَّا يَبِيعَهُ]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ شَيْءٍ حَلَفَ أَلَّا يَبِيعَهُ]

وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ فَلْيَبِعْهُ مِنْهَا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ سَهْمًا، ثُمَّ يَهَبْهُ السَّهْمَ الْبَاقِيَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْحِيلَةِ الْبَاطِلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ إيَّاهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ.

وَلَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ فِي جَارِيَةٍ قَدْ وَطِئَهَا الْحَالِفُ الْيَوْمَ فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَطَأَهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فَلَهُ حِيلَتَانِ عَلَى إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ إحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْتِقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُمَلِّكَهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا، فَإِذَا قَضَى وَطَرَهُ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهَا أَوْ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلْيَشْتَرِهَا مِنْ الْمُمَلَّكِ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ، فَإِنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى وَطْئِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>