للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ تَكُونُ الْحِيلَةُ فِيهِمَا مَوْضُوعَةً لِلْمَقْصُودِ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ، وَمُفْضِيَةً إلَيْهِ، كَمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَقْصُودِ الصَّحِيحِ الْجَائِزِ وَمُفْضِيَةٌ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ السَّفَرَ طَرِيقٌ صَالِحٌ لِهَذَا وَهَذَا.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ لَمْ تُوضَعْ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَإِنَّمَا وُضِعَتْ مُفْضِيَةً إلَى الْمَشْرُوعِ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَتَّخِذُهَا الْمُتَحَيِّلُ سُلَّمًا وَطَرِيقًا إلَى الْحَرَامِ، وَهَذَا مُعْتَرَكُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ الَّذِي قَصَدْنَا الْكَلَامَ فِيهِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ.

[نَوْعٌ رَابِعٌ مِنْ الْحِيَلِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ يُقْصَدُ بِهَا أَخْذُ حَقٍّ]

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقْصَدَ بِالْحِيلَةِ أَخْذِ حَقٍّ أَوْ دَفْعُ بَاطِلٍ، وَهَذَا الْقِسْمُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ مُحَرَّمًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ حَقًّا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيَجْحَدَهُ، وَلَا يُبَيِّنُهُ لَهُ، فَيُقِيمَ صَاحِبُهُ شَاهِدَيْ زُورٍ يَشْهَدَانِ بِهِ، وَلَا يَعْلَمَانِ ثُبُوتَ ذَلِكَ الْحَقِّ، وَمِثْلُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَيَجْحَدَ الطَّلَاقَ، وَلَا يُبَيِّنُهُ لَهَا، فَتُقِيمَ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَلَمْ يَسْمَعَا الطَّلَاقَ مِنْهُ، وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، وَلَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَيَجْحَدَ الْوَدِيعَةَ، فَيَجْحَدَ هُوَ الدَّيْنَ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَيَحْلِفَ مَا لَهُ عِنْدِي حَقٌّ، أَوْ مَا أَوْدَعَنِي شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ يُجِيزُ هَذَا مَنْ يُجِيزُ مَسْأَلَةَ الظَّفَرِ.

وَمِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ كِسْوَةً أَوْ نَفَقَةً مَاضِيَةً كَذِبًا وَبَاطِلًا، فَيُنْكِرَ أَنْ تَكُونَ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا أَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ، أَوْ يُقِيمَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهَا كَانَتْ نَاشِزًا؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ، وَمِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلٌ وَلِيَّهُ فَيُقِيمَ شَاهِدَيْ زُورٍ وَلَمْ يَشْهَدَا الْقَتْلَ فَيَشْهَدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَمِثْلُ أَنْ يَمُوتَ مَوْرُوثُهُ فَيُقِيمَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ مَاتَ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ، وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ، وَنَظَائِرُهُ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ لَا شَاهِدَ لَهُ بِهِ فَيُقِيمُ شَاهِدَيْ زُورٍ يَشْهَدَانِ لَهُ بِهِ؛ فَهَذَا يَأْثَمُ عَلَى الْوَسِيلَةِ دُونَ الْمَقْصُودِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» .

[فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ]

فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ مَشْرُوعَةً، وَمَا يُفْضِي إلَيْهِ مَشْرُوعٌ، وَهَذِهِ هِيَ الْأَسْبَابُ الَّتِي نَصَبَهَا الشَّارِعُ مُفْضِيَةً إلَى مُسَبَّبَاتِهَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارِعَةِ وَالْوَكَالَةِ، بَلْ الْأَسْبَابُ مَحَلُّ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهِيَ فِي اقْتِضَائِهَا لِمُسَبَّبَاتِهَا شَرْعًا عَلَى وِزَانِ الْأَسْبَابِ الْحِسِّيَّةِ فِي اقْتِضَائِهَا لِمُسَبَّبَاتِهَا قَدَرًا؛ فَهَذَا شَرْعُ الرَّبِّ تَعَالَى وَذَلِكَ قَدَرُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>