للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُمَا خَلْقُهُ وَأَمْرُهُ، وَاَللَّهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، وَلَا تَغْيِيرَ لِحُكْمِهِ، فَكَمَا لَا يُخَالِفُ سُبْحَانَهُ بِالْأَسْبَابِ الْقَدَرِيَّةِ أَحْكَامَهَا بَلْ يُجْرِيهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَمَا خُلِقَتْ لَهُ؛ فَهَكَذَا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ سَبَبِهَا وَمَا شُرِعَتْ لَهُ، بَلْ هَذِهِ سُنَّتُهُ شَرْعًا وَأَمْرًا، وَتِلْكَ سُنَّتُهُ قَضَاءً وَقَدَرًا، وَسُنَّتُهُ الْأَمْرِيَّةُ قَدْ تُبَدَّلُ وَتَتَغَيَّرُ كَمَا يُعْصَى أَمْرُهُ وَيُخَالَفُ، وَأَمَّا سُنَّتُهُ الْقَدَرِيَّةُ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا، كَمَا لَا يُعْصَى أَمْرُهُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ.

وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ التَّحَيُّلُ عَلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَعَلَى دَفْعِ الْمَضَارِّ، وَقَدْ أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِكُلِّ حَيَوَانٍ؛ فَلِأَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالْمَكْرِ مَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ بَنُو آدَمَ.

وَلَيْسَ كَلَامُنَا وَلَا كَلَامُ السَّلَفِ فِي ذَمِّ الْحِيَلِ مُتَنَاوِلًا لِهَذَا الْقِسْمِ. بَلْ الْعَاجِزُ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ، وَالْكَيِّسُ مَنْ كَانَ بِهِ أَفْطَنَ وَعَلَيْهِ أَقْدَرَ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَرْبِ فَإِنَّهَا خَدْعَةٌ. وَالْعَجْزُ كُلُّ الْعَجْزِ تَرْكُ هَذِهِ الْحِيلَةِ. وَالْإِنْسَانُ مَنْدُوبٌ إلَى اسْتِعَاذَتِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ؛ فَالْعَجْزُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِيلَةِ النَّافِعَةِ. وَالْكَسَلُ عَدَمُ الْإِرَادَةِ لِفِعْلِهَا؛ فَالْعَاجِزُ لَا يَسْتَطِيعُ الْحِيلَةَ، وَالْكَسْلَانُ لَا يُرِيدُهَا. وَمَنْ لَمْ يَحْتَلْ وَقَدْ أَمْكَنَتْهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ أَضَاعَ فُرْصَتَهُ وَفَرَّطَ فِي مَصَالِحِهِ، كَمَا قَالَ:

إذَا الْمَرْءُ لَمْ يَحْتَلْ وَقَدْ جَدَّ جِدُّهُ ... أَضَاعَ وَقَاسَى أَمْرَهُ وَهُوَ مُدْبِرُ

وَفِي هَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْأَمْرُ أَمْرَانِ: أَمْرٌ فِيهِ حِيلَةٌ فَلَا يُعْجَزُ عَنْهُ، وَأَمْرٌ لَا حِيلَةَ فِيهِ فَلَا يُجْزَعُ مِنْهُ.

[فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ]

[الْمِثَالُ الْأَوَّلُ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ دَارًا مُدَّةَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَخَافَ أَنْ يَغْدِرَ بِهِ الْمُكْرِي فِي آخِرِ الْمُدَّةِ]

فَصْلٌ [الِاحْتِيَالُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ بِطَرِيقٍ مُبَاحَةٍ لَكِنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لَهُ] .

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْتَالَ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى حَقٍّ أَوْ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ بِطَرِيقٍ مُبَاحَةٍ لَمْ تُوضَعْ مُوَصِّلَةً إلَى ذَلِكَ، بَلْ وُضِعَتْ لِغَيْرِهِ، فَيَتَّخِذُهَا هُوَ طَرِيقًا إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ الصَّحِيحِ، أَوْ قَدْ يَكُونُ قَدْ وُضِعَتْ لَهُ لَكِنْ تَكُونُ خَفِيَّةً وَلَا يَفْطِنُ لَهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ نُصِبَتْ مُفْضِيَةً إلَى مَقْصُودِهَا ظَاهِرًا، فَسَالِكُهَا سَالِكٌ لِلطَّرِيقِ الْمَعْهُودِ، وَالطَّرِيقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ نُصِبَتْ مُفْضِيَةً إلَى غَيْرِهِ فَيَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ؛ فَهِيَ فِي الْفِعَالِ كَالتَّعْرِيضِ الْجَائِزِ فِي الْمَقَالِ، أَوْ تَكُونُ مُفْضِيَةً إلَيْهِ لَكِنْ بِخَفَاءٍ، وَنَذْكُرُ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً يُنْتَفَعُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>