للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعَيِّنَهُ وَيُضَارِبَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ؟ فَهَلْ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ فِقْهٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حِكْمَةٌ لِلشَّارِعِ فَيَجِبُ مُرَاعَاتُهَا؟

فَإِنْ قِيلَ: تَجَوَّزُوا عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ لَهُ: اجْعَلْ الدَّيْنَ عَلَيْك رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي كَذَا وَكَذَا.

قِيلَ: شَرْطُ صِحَّةِ النَّقْضِ أَمْرَانِ؛ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ الَّتِي تَنْقُضُ بِهَا مُسَاوِيَةً لِسَائِرِ الصُّوَرِ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهَا مَعْلُومًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ هَاهُنَا، فَلَا إجْمَاعَ مَعْلُومٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حُكِيَ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ جَوَازِهَا رَأَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَالْمُجَوِّزُ لَهَا يَقُولُ: لَيْسَ عَنْ الشَّارِعِ نَصٌّ عَامٌّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَغَايَةُ مَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ وَفِيهِ مَا فِيهِ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَالْكَالِئُ: هُوَ الْمُؤَخَّرُ، وَهَذَا كَمَا إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ، فَهَذَا هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ شَغْلَ الذِّمَّتَيْنِ بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ فَقَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ مِنْ ذِمَّتِهِ وَخَلَفَهُ دَيْنٌ آخَرُ وَاجِبٌ فَهَذَا مِنْ بَابِ بَيْعِ السَّاقِطِ بِالْوَاجِبِ، فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّاقِطِ بِالسَّاقِطِ فِي بَابِ الْمُقَاصَّةِ، فَإِنْ بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ أَنْفَقَ عَلَى الدَّابَّةِ، وَقَالَ: أَنْفَقْتُ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْكَرَ الْمُؤَجِّرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَدَّعِي بَرَاءَةَ نَفْسِهِ مِنْ الْحَقِّ الثَّابِتِ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَنْفَعُهُ إشْهَادُ رَبِّ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي إنْفَاقَهُ؟ .

قِيلَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَنْفَقَ شَيْئًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَلَّا يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْإِنْفَاقِ، وَلَكِنْ يَنْتَفِعُ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ بِإِشْهَادِ الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَنْفَقَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ مُدَّعٍ، فَإِذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَقَبْلَ الْإِنْفَاقِ لَيْسَ مُدَّعِيًا، وَلَا يَنْفَعُهُ إشْهَادُ الْمُؤَجِّرِ بِتَصْدِيقِهِ فِيمَا سَوْفَ يَدَّعِيه فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَهَذَا شَيْءٌ وَذَاكَ شَيْءٌ آخَرُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِيلَةُ عَلَى أَنْ يُصَدِّقَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ النَّفَقَةِ؟

قِيلَ: الْحِيلَةُ أَنْ يُسْلِفَ الْمُسْتَأْجِرُ رَبَّ الدَّارِ أَوْ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ، ثُمَّ يَدْفَعَ رَبُّ الدَّارِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ ذَلِكَ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ، وَيُوَكِّلَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى دَارِهِ أَوْ دَابَّتِهِ، فَيَصِيرَ أَمِينَهُ فَيُصَدِّقَهُ عَلَى مَا يَدَّعِيه إذَا كَانَ ذَلِكَ نَفَقَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>