للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلِهِ عُرْفًا، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ لَمْ يُصَدَّقْ بِهِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لَا يَدْفَعُ بِهَا حَقًّا، وَلَا يَتَوَصَّلُ بِهَا لَمُحَرَّمٍ، وَلَا يُقِيمُ بِهَا بَاطِلًا.

[الْمِثَالُ الرَّابِعُ خَوْفُ رَبِّ الدَّارِ مِنْ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ تَسْلِيمَهَا]

[خَوْفُ رَبِّ الدَّارِ مِنْ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ تَسْلِيمَهَا]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: إذَا خَافَ رَبُّ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ أَنْ يُعَوِّقَهَا عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَالْحِيلَةُ فِي أَمْنِهِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: مَتَى حَبَسْتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَأُجْرَتُهَا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ يَخَافُ مِنْ حَبْسِهَا أَنْ يُلْزِمَهُ بِذَلِكَ.

[الْمِثَالُ الْخَامِسُ اسْتِئْجَارُ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ]

[اسْتِئْجَارُ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ]

الْمِثَالُ الْخَامِسُ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ، لِذَهَابِ عَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْحِيلَةُ فِي تَجْوِيزِ هَذَا الْعَقْدِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الشَّمْعَةِ أَوَاقِيَّ مَعْلُومَةً، ثُمَّ يُؤَجِّرَهُ إيَّاهَا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَشْعَلَ مِنْهَا ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَإِلَّا احْتَسَبَ لَهُ بِمَا أَذْهَبَهُ مِنْهَا، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الشَّمْعَةِ كُلَّ أُوقِيَّةٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، قَلَّ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أَوْ كَثُرَ، وَهَذَا جَائِزٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، وَقَدْ أَجَرَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ نَفْسَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَلَا مَحْذُورَ فِي هَذَا أَصْلًا، وَلَا يُفْضِي إلَى تَنَازُعٍ وَلَا تَشَاحُنٍ، بَلْ عَمَلُ النَّاسِ فِي أَكْثَرِ بِيَاعَاتِهِمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّهُ جَهَالَةُ كَمْيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ هِيَ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى الْقِمَارِ وَالْغَرَرِ، وَلَا يَدْرِي الْعَاقِدُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَدْخُلُ، وَهَذِهِ لَا تُؤَدِّي إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ إنْ أَرَادَ قَلِيلًا أَخَذَ وَالْبَائِعُ رَاضٍ، وَإِنْ أَرَادَ كَثِيرًا أَخَذَ وَالْبَائِعُ رَاضٍ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تُحَرِّمُ مِثْلَ هَذَا وَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ، بَلْ هِيَ أَسْمَحُ مِنْ ذَلِكَ وَأَحْكَمُ.

فَإِنْ قِيلَ: لَكِنْ فِي الْعَقْدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَحْذُورَانِ؛ أَحَدُهُمَا: تَضَمُّنُهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ مَوْرِدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ يَذْهَبُ عَيْنُهُ أَوْ بَعْضُهُ بِالْإِشْعَالِ.

قِيلَ: لَا مَحْذُورَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً وَأَجَرَهُ دَارِهِ شَهْرًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا مَذْهَبُ إجْزَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ بِالِانْتِفَاعِ فَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَوَّضْ عَنْهُ الْمُؤَجِّرُ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي رَدَّ الْعَيْنِ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ، وَأَمَّا هَذَا الْعَقْدُ فَهُوَ عَقْدُ بَيْعٍ يَقْتَضِي ضَمَانَ الْمُتْلَفِ بِثَمَنِهِ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ وَأُجْرَةِ انْتِفَاعِهِ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ، فَالْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ انْتِفَاعِهِ بِهَا مُدَّةَ بَقَائِهَا، وَالثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَذْهَبَ مِنْهَا، فَدَعَوْنَا مِنْ تَقْلِيدِ آرَاءِ الرِّجَالِ، مَا الَّذِي حَرَّمَ هَذَا؟ وَأَيْنَ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقِيَاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>