للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَائِزَتَانِ، إحْدَاهُمَا: أَنْ يَبِيعَهُ الزَّرْعَ ثُمَّ يُؤَجِّرَهُ الْأَرْضَ، فَتَكُونَ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ لِكَوْنِ الزَّرْعِ لَمْ يَشْتَدَّ أَوْ كَانَ زَرْعًا لِلْغَيْرِ انْتَقَلَ إلَى الْحِيلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يُؤْجِرَهُ إيَّاهَا لِمُدَّةٍ تَكُونُ بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ، وَيَصِحُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ.

[الْمِثَالُ التَّاسِعُ اسْتِئْجَار الْأَرْض بِخَرَاجِهَا مَعَ الْأُجْرَةِ]

[اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِخَرَاجِهَا مَعَ الْأُجْرَةِ]

الْمِثَالُ التَّاسِعُ: لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَقُومَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْخَرَاجِ مَعَ الْأُجْرَةِ، أَوْ يَكُونَ قِيَامُهُ بِهِ هُوَ أُجْرَتُهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ مُؤْنَةٌ تَلْزَمُ الْمَالِكَ بِسَبَبِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يُسَمِّيَ مِقْدَارَ الْخَرَاجِ، وَيُضِيفَهُ إلَى الْأُجْرَةِ - قُلْت: وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْأَرْضَ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ إذَا كَانَ مِقْدَارًا مَعْلُومًا لَا جَهَالَةَ فِيهِ - فَيَقُولَ: أَجَرْتُكَهَا بِخَرَاجِهَا تَقُومُ بِهِ عَنِّي، فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَا جَهَالَةَ، وَلَا غَرَرَ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك كُلَّ سَنَةٍ بِمِائَةٍ أَوْ بِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهَا كُلَّ سَنَةٍ خَرَاجًا؟ فَإِنْ قِيلَ: الْأُجْرَةُ تُدْفَعُ إلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْخَرَاجُ إلَى السُّلْطَانِ.

قِيلَ: بَلْ تُدْفَعُ الْأُجْرَةُ إلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ إلَى مَنْ أَذِنَ لَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، فَيَصِيرُ وَكِيلَهُ فِي الدَّفْعِ.

[الْمِثَالُ الْعَاشِرُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ بِعَلَفِهَا]

[اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ بِعَلَفِهَا]

الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّابَّةَ بِعَلَفِهَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يُسَمِّيَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعَلَفِ فَيَجْعَلَهُ أُجْرَةً ثُمَّ يُوَكِّلَهُ فِي إنْفَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهَا. وَهَذِهِ الْحِيلَةُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا عَلَى أَصْلِنَا؛ فَإِنَّا نُجَوِّزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الظِّئْرَ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا وَالْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، فَكَذَلِكَ إجَارَةُ الدَّابَّةِ بِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: عَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى مَالِكِهَا، فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى نَفْسِهَا.

قِيلَ: هَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْعَلَفَ قَدْ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ نَفْسُهُ أُجْرَةٌ مُغْتَفَرَةٌ جَهَالَتُهَا الْيَسِيرَةُ لِلْحَاجَةِ، بَلْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ؛ إذْ يُمْكِنُ الْأَجِيرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الدَّابَّةُ فَإِنْ كُلِّفَ رَبُّهَا أَنْ يَصْحَبَهَا لِيَعْلِفَهَا شِقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى قِيَامِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا، وَلَا يُظَنُّ بِهِ تَفْرِيطُهُ فِي عَلَفِهَا لِحَاجَتِهِ إلَى ظَهْرِهَا، فَهُوَ يَعْلِفُهَا لِحَاجَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا مُخَاصَمَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>