للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ عَامِلِ عُمَرَ عَلَى مَكَّةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ نَافِعٌ إنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعُرْبُونِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَأَجَازَ هَذَا الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ فِيهِ مُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ يَقُولُ: أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهَا إلَى قَصْرِ سَعْدٍ، وَاشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ، وَفِي ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَفْتَى بِهِ.

[لِلشُّرُوطِ عِنْدَ الشَّارِعِ شَأْنٌ]

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ لِلشُّرُوطِ عِنْدَ الشَّارِعِ شَأْنًا لَيْسَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ فَإِنَّهُمْ يُلْغُونَ شُرُوطًا لَمْ يُلْغِهَا الشَّارِعُ، وَيُفْسِدُونَ بِهَا الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ تَقْتَضِي فَسَادَهُ، وَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشُّرُوطِ مِنْ الْعُقُودِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ؛ فَلَيْسَ لَهُمْ ضَابِطٌ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ؛ فَالصَّوَابُ الضَّابِطُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَكِتَابَهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ، مَا لَمْ يُخَالِفْهُ حُكْمُهُ فَهُوَ لَازِمٌ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِالشَّرْطِ كَالِالْتِزَامِ بِالنَّذْرِ، وَالنَّذْرُ لَا يَبْطُلُ مِنْهُ إلَّا مَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَكِتَابَهُ، بَلْ الشُّرُوطُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْسَعُ مِنْ النَّذْرِ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَالِالْتِزَامُ بِهِ أَوْفَى مِنْ الِالْتِزَامِ بِالنَّذْرِ.

وَإِنَّمَا بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ بَابَ الشُّرُوطِ يَدْفَعُ حِيَلَ أَكْثَرِ الْمُتَحَيِّلِينَ، وَيَجْعَلُ لِلرَّجُلِ مَخْرَجًا مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ وَمِمَّا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ؛ فَالشَّرْطُ الْجَائِزُ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ، بَلْ هُوَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَقَالَ: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: ١٧٧] .

[الشَّرْطُ اللَّازِمُ وَالشَّرْطُ الْبَاطِلُ]

وَهَاهُنَا قَضِيَّتَانِ كُلِّيَّتَانِ مِنْ قَضَايَا الشَّرْعِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، إحْدَاهُمَا: أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَنَاقَضَ كِتَابَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ كَائِنًا مَا كَانَ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يُخَالِفُ حُكْمَهُ وَلَا يُنَاقِضُ كِتَابَهُ وَهُوَ مَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ - فَهُوَ لَازِمٌ بِالشَّرْطِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ شَيْءٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِمَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>