للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الْجَارِيَةَ مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَلَهُ فِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحِيَلِ:

إحْدَاهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، كَمَا اشْتَرَطَتْ ذَلِكَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ،، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ لَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ؛ لِعَدَمِ مَنْ يُنَفِّذُهَا لَهُ فَلْيَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنَّك إنْ بِعْتهَا لِغَيْرِي فَهِيَ حُرَّةٌ، وَيَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ، وَتُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ، إمَّا بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَإِمَّا بِالْقَبُولِ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَقِيبَهُ، وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي.

قَالَ فِي كِتَابِ إبْطَالِ الْحِيَلِ: إذَا قَالَ: " إنْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ "، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: " إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ " فَبَاعَهُ عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْآخَرِ حَالَ اسْتِقْرَارٍ حَتَّى يُعْتَقَ عَلَيْهِ بِنِيَّتِهِ التَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَابِتٌ لِلْبَائِعِ، فَمِلْكُ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: " وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ " تَقْرِيرٌ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِالْقَبُولِ، وَيُعْتَقُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ؛ فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ لَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ عِنْدَ مَنْ لَا يُصَحِّحُ هَذَا التَّعْلِيقَ، وَيَقُولُ إذَا اشْتَرَاهَا مَلَكَهَا، وَلَا تُعْتَقُ بِالشَّرْطِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: إذَا بِعْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَيَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ، فَإِذَا بَاعَهَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الْعِتْقِ قَبْلَ الْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِذَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ عِنْدَ مَنْ لَا يُصَحِّحُ هَذَا التَّعْلِيقَ فَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: إذَا اشْتَرَيْتهَا فَهِيَ مُدَبَّرَةٌ، فَيَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ، وَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ جَارٍ مَجْرَى الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا صَارَتْ مُدَبَّرَةً، وَلَمْ يُمْكِنْهُ بَيْعُهَا عِنْدَهُ.

فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ لَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ تَعْلِيقَ التَّدْبِيرِ بِصِفَةٍ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ قَرَارَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ دَبَّرَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا، وَأَنَّهُ جَعَلَهَا حُرَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ لَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ - وَهُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ - فَالْحِيلَةُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا مِنْ سَيِّدِهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا.

فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ لَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ أَنْ تَحْمِلَ وَتَضَعَ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ - كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ - فَقَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وُجُوهُ الْحِيَلِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا حِيلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَتَرَاضَى سَيِّدُ الْجَارِيَةِ وَالْمُشْتَرِي بِرَجُلٍ ثِقَةٍ عَدْلٍ بَيْنَهُمَا فَيَبِيعُهَا هَذَا الْعَدْلُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَنْ سَيِّدِهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِهَا الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ، وَيَقْبِضُ مِنْهُ الثَّمَنَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي بَيْعَهَا طَالَبَهُ بِبَاقِي الثَّمَنِ الَّذِي أَظْهَرَهُ، وَلَوْ لَمْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا ثَالِثًا بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>