للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِيلَةٌ أُخْرَى لَهُ]

الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ: كَانَ فِي جِوَارِ أَبِي حَنِيفَةَ فَتًى يَغْشَى مَجْلِسَهُ، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: إنِّي أُرِيدُ التَّزَوُّجَ بِامْرَأَةٍ، وَقَدْ طَلَبُوا مِنِّي مِنْ الْمَهْرِ فَوْقَ طَاقَتِي، وَقَدْ تَعَلَّقْت بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَعْطِهِمْ مَا طَلَبُوا مِنْك، فَفَعَلَ، فَلَمَّا عَقَدَ الْعَقْدَ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ طَلَبُوا مِنِّي الْمَهْرَ، فَقَالَ: احْتَلْ وَاقْتَرِضْ وَأَعْطِهِمْ فَفَعَلَ، فَلَمَّا دَخَلَ بِأَهْلِهِ قَالَ: إنِّي أَخَافُ الْمُطَالَبِينَ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُوَفِّيهِمْ، فَقَالَ: أَظْهِرْ أَنَّك تُرِيدُ سَفَرًا بَعِيدًا، وَأَنَّك تُرِيدُ الْخُرُوجَ بِأَهْلِك، فَفَعَلَ، وَاكْتَرَى جِمَالًا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَأَوْلِيَائِهَا، فَجَاءُوا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِأَهْلِهِ حَيْثُ شَاءَ، فَقَالُوا: نَحْنُ نُرْضِيهِ وَنَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُ، وَلَا يُسَافِرُ، فَلَمَّا سَمِعَ الزَّوْجُ طَمِعَ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى يَزِيدُونِي، فَقَالَ لَهُ: إنْ رَضِيت بِهَذَا، وَإِلَّا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ عَلَيْهَا دَيْنًا لِرَجُلٍ، فَلَا يُمْكِنُك أَنْ تُخْرِجَهَا حَتَّى تُوَفِّيَهُ فَقَالَ: بِاَللَّهِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ مِنْك، أَنَا أَرْضَى بِاَلَّذِي أَعْطَيْتهمْ.

[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ وَالْبَرَاءَةِ بِالشُّرُوطِ]

[تَعْلِيقُ الْفَسْخِ وَالْبَرَاءَةِ بِالشُّرُوطِ]

الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَأَخَّرَهَا إلَى شَهْرٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ مِائَتَانِ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ أَبْطَلَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ، قَالَ: أَمَّا جَوَازُ الصُّلْحِ مِنْ أَلْفٍ عَلَى مِائَةٍ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ التِّسْعَمِائَةِ لَا يَسْتَفِيدُهَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهَا بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَهُوَ الْعَقْدُ السَّابِقُ؛ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْخُوذَةً عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى طَرِيقِ الْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ، قَالَ: وَيُفَارِقُ هَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى تِسْعِمِائَةٍ حَالَّةً أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ هَذِهِ التِّسْعَمِائَةِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا حَالَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْلِكُهَا مُؤَجَّلَةً، فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ.

وَأَمَّا جَوَازُهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ مِائَتَانِ - فَلِأَنَّ الْمُصَالِحَ إنَّمَا عَلَّقَ فَسْخَ الْبَرَاءَةِ بِالشَّرْطِ، وَالْفَسْخُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ؛ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِالشَّرْطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: " أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ بِشَرْطِ أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ الْيَوْمَ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْنِي الثَّمَنَ الْيَوْمَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا " إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فِي يَوْمِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا، كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ يَقُولُ: هَذَا تَعْلِيقُ بَرَاءَةِ الْمَالِ بِالشَّرْطِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، قَالَ: وَالْوَجْهُ فِي جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمِيعِ أَنْ يُعَجِّلَ رَبُّ الْمَالِ حَطَّ ثَمَانَمِائَةٍ يَحُطُّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ يُصَالِحَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى مِائَةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي شَهْرِ كَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>