للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ دُعَاءً عَلَيْهِ أَوْ لَعْنًا أَوْ مَسَبَّةً فَلَهُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ مَنَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ إتْلَافُ مَالٍ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُحْتَرَمًا كَالْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ فَإِنْ خَافَ تَعَدِّيَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ حَرَقَ دَارِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْرِقَ دَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ - بَلْ كَانَ يَفْعَلُ بِهِ نَظِيرَ مَا فَعَلَ بِهِ سَوَاءٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ شَجَرَتَهُ أَوْ كَسَرَ إنَاءَهُ أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرِهِ أَوْ حَلَّ وِكَاءَ مَائِعٍ لَهُ أَوْ أَرْسَلَ الْمَاءَ عَلَى مِسْطَاحِهِ فَذَهَبَ بِمَا فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمْكَنَهُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ سَوَاءٌ - فَهَذَا مَحَلُّ اجْتِهَادٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ كِتَابٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، بَلْ الْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ تَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.

وَكَانَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرَجِّحُ هَذَا وَيَقُولُ: هُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ إتْلَافِ طَرَفِهِ بِطَرَفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ]

[فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ]

الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الضَّامِنُ وَالْكَفِيلُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مَتَى شَاءَ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ ضَمَانَ الْمَالِ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ.

وَطَرِيقُ التَّخَلُّصِ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوَقِّتْهَا بِمُدَّةٍ فَيَقُولُ: ضَمِنْتُهُ، أَوْ تَكَفَّلْت بِهِ شَهْرًا أَوْ جُمُعَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيَصِحُّ.

الثَّانِي: أَنْ يُقَيِّدَهَا بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان فَيَقُولُ: ضَمِنْتُهُ أَوْ تَكَفَّلْت بِهِ مَا دَامَ فِي هَذَا الْبَلَدِ أَوْ فِي هَذَا السُّوقِ.

الثَّالِثِ: أَنْ يُعَلِّقَهَا عَلَى شَرْطٍ فَيَقُولُ: ضَمِنْت أَوْ كَفَلْت إنْ رَضِيَ فُلَانٌ، أَوْ يَقُولُ: ضَمِنْت مَا عَلَيْهِ إنْ كَفَلَ فُلَانٌ بِوَجْهِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الرَّابِعِ: أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الضَّمَانِ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ حَتَّى يَتَعَذَّرَ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ، فَيَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ، بَلْ هُوَ حُكْمُ الضَّمَانِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ؛ فَلَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ حَتَّى يَتَعَذَّرَ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ.

الْخَامِسِ: أَنْ يَقُولَ: كَفَلْت بِوَجْهِهِ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ.

السَّادِسِ: أَنْ يُطَالِبَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ؛ لِيَبْرَأَ هُوَ مِنْ الضَّمَانِ إذَا كَانَ قَدْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، وَيَكُونُ خَصْمًا فِي الْمُطَالَبَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، فَإِنْ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ [عَلَيْهِ] مُطَالَبَتُهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ أَدَّاهُ عَنْهُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ حِينَئِذٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>