للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، ثُمَّ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِاسْتِحْقَاقِ ثَمَنِهَا، وَلَا يُعَيِّنُ السَّبَبَ، فَإِنْ أَقَرَّ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ، فَإِمَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ يُحَلِّفَهُ

[الْمِثَال الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: لَهُ مَالٌ حَالٌّ فَأَبَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ حَتَّى يُصَالِحَهُ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ يُؤَجِّلَهُ]

الْمِثَالُ الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ حَالٌّ فَأَبَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ حَتَّى يُصَالِحَهُ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ يُؤَجِّلَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَأَرَادَ حِيلَةً يَتَوَسَّلُ بِهَا إلَى أَخْذِ مَالِهِ كُلِّهِ حَالًّا، وَيُبْطِلُ الصُّلْحَ وَالتَّأْجِيلَ فَالْحِيلَةُ لَهُ أَنْ يُوَاطِئَ رَجُلًا يَدَّعِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَيُقِرَّ لَهُ بِهِ، وَيَصِحَّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَالُ مُضَارَبَةً فَيَصِيرُ دُيُونًا عَلَى النَّاسِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِهِ لَهُ لَضَاعَ مَالُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ إنَّ فِي الرِّعَايَةِ وَلَوْ قَالَ: دِينِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو احْتَمَلَ الصِّحَّةَ، وَالْبُطْلَانُ أَظْهَرُ؛ فَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَضَافَ الدَّيْنَ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ لِعَمْرٍو، فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ: مِلْكِي كُلُّهُ لِعَمْرٍو، أَوْ دَارِي هَذِهِ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِلتَّنَاقُضِ وَيَصِحُّ هِبَةً، فَأَمَّا إذَا قَالَ: " هَذَا الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو يَسْتَحِقُّهُ دُونِي " صَحَّ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ قَالَ ": هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَهُ " عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَضَافَ الدَّيْنَ أَوْ الْعَيْنَ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا تَنَاقُضَ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَصْدُقُ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ.

فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ دَارُ فُلَانٍ، إذَا كَانَ سَاكِنُهَا بِالْأُجْرَةِ، وَيَقُولُ الْمُضَارِبُ: دِينِي عَلَى فُلَانٍ، وَهَذَا الدَّيْنُ لِفُلَانٍ، يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَالْمُخَاصَمَةَ فِيهِ، فَالْإِضَافَةُ تَصْدُقُ بِدُونِ هَذَا، ثُمَّ يَأْتِي صَاحِبُ الْمَالِ إلَى مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ فَيُصَالِحُهُ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ يُؤَجِّلُهُ ثُمَّ يَجِيءُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَدَّعِي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ بِجُمْلَتِهِ حَالًّا، فَإِذَا أَظْهَرَ كِتَابَ الصُّلْحِ وَالتَّأْجِيلِ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْمُصَالِحُ، فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ إنَّمَا أَقَرَّ بِاسْتِحْقَاقِ غَرِيمِهِ الدَّيْنَ مُؤَجَّلًا أَوْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْهُ فَقَطْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ.

[الْحِيلَةُ فِي إيدَاعِ الشَّهَادَةِ]

[إيدَاعُ الشَّهَادَةِ]

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْحِيلَةِ حِيلَةُ إيدَاعِ الشَّهَادَةِ وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْخَصْمُ: لَا أُقِرُّ لَك حَتَّى تُبْرِئَنِي مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْكَ أَنَّكَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا، فَيَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى رَجُلَيْنِ فَيَقُولُ: اشْهَدَا أَنِّي عَلَى طَلَبِ حَقِّي كُلِّهِ مِنْ فُلَانٍ، وَأَنِّي لَمْ أُبْرِئْهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ مُصَالَحَتَهُ عَلَى بَعْضِهِ؛ لِأَتَوَصَّلَ بِالصُّلْحِ إلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، وَأَنِّي إذَا أَشْهَدْت أَنِّي لَا أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ سِوَى مَا صَالَحَنِي عَلَيْهِ فَهُوَ إشْهَادٌ بَاطِلٌ، وَأَنِّي إنَّمَا أَشْهَدْت عَلَى ذَلِكَ تَوَصُّلًا إلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي؛ فَهَذِهِ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ إيدَاعِ الشَّهَادَةِ؛ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَقَاءَهُ عَلَى حَقِّهِ، وَيُقِيمَ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَهُوَ مُطَّرِدٌ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَجَارٍ عَلَى أُصُولِهِ.

فَإِنَّ لَهُ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ بِكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>