للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى هَذَا الرَّجُلِ حِيلَةً يَقْتَضِي بِهَا دَيْنَهُ مِنْهُ، وَلَا يَضُرُّهُ تَوَارِي مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ.

فَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَقُولَ لَهُ: وَكَّلْتُك بِقَبْضِ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَبِالْخُصُومَةِ فِيهِ، وَوَكَّلْتُك أَنْ تَجْعَلَ مَالَهُ عَلَيْك قِصَاصًا بِمَالِي عَلَيْهِ، وَأَجَزْت أَمْرَك فِي ذَلِكَ، وَمَا عَمِلْت فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، فَيَقْبَلُ الْوَكِيلُ، وَيُشْهِدَ عَلَى الْوَكَالَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شُهُودًا، ثُمَّ يُشْهِدُهُمْ الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَيْهِ قِصَاصًا بِالْأَلْفِ الَّتِي لِمُوَكِّلِهِ عَلَى فُلَانٍ، فَيَصِيرُ الْأَلْفُ قِصَاصًا، وَيَتَحَوَّلُ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمُتَوَارِي عَلَى هَذَا الْوَكِيلِ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَكَّلَهُ.

وَهَذِهِ الْحِيلَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَ الْوَكِيلَ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَالْوَكِيلُ يَقُولُ: مُطَالَبَتِي لَك بِهَذَا الدَّيْنِ كَمُطَالَبَةِ مُوَكَّلِي بِهِ، فَأَنَا أُطَالِبُك بِأَلْفٍ، وَأَنْتَ تُطَالِبُنِي بِهِ، فَاجْعَلْ الْأَلْفَ الَّذِي تُطَالِبُنِي بِهِ عِوَضًا عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي أُطَالِبُك بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَلْفُ لِي لَحَصَلَتْ الْمُقَاصَّةُ، إذْ لَا مَعْنَى لِقَبْضِك لِلْأَلْفِ مِنِّي أَمْ أَدَائِهَا إلَيَّ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ فِيمَا إذَا طَالَبْتُك بِهَا لِمُوَكِّلِي؛ أَنَا أَسْتَحِقُّ عَلَيْك أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ الْأَلْفَ، وَأَنْتَ تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ أَنْ أَدْفَعَ إلَيْك أَلْفًا، فَنَتَقَاصُّ فِي الْأَلْفَيْنِ.

[الْمِثَالُ التَّاسِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ إثْبَاتُ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ]

[إثْبَاتُ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ]

الْمِثَالُ التَّاسِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، فَغَابَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ، فَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُثْبِتَ مَالَهُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَحْكُمَ لَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَلْيَرْفَعْهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ حَكَمُ الْبَلَدِ لَا يَرَى الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَجِيءَ رَجُلٌ فَيَضْمَنَ لِهَذَا الَّذِي لَهُ الْمَالُ جَمِيعَ مَالِهِ عَلَى الرَّجُلِ الْغَائِبِ، وَيُسَمِّيَهُ وَيَنْسُبَهُ، وَلَا يَذْكُرَ مَبْلَغَ الْمَالِ، بَلْ يَقُولُ: ضَمِنْت لَهُ جَمِيعَ مَا صَحَّ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يُقَدِّمَهُ إلَى الْقَاضِي، فَيُقِرُّ الضَّامِنُ بِالضَّمَانِ، وَيَقُولُ: لَا أَعْرِفُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ شَيْئًا.

فَيَسْأَلُ الْقَاضِي الْمَضْمُونَ لَهُ: هَلْ لَك بَيِّنَةٌ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَأْمُرُهُ بِإِقَامَتِهَا، فَإِذَا شَهِدَتْ ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ، وَحَكَمَ عَلَى الضَّمِينِ بِالْمَالِ، وَيَجْعَلُهُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَى الضَّامِنِ بِثُبُوتِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ حَتَّى يَحْكُمَ عَلَى الْغَائِبِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِالثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ، وَثُبُوتُ الْفَرْعِ بِدُونِ أَصْلِهِ مُمْتَنِعٌ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى أَصْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، حَيْثُ يُجَوِّزُونَ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِحَاضِرٍ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ كَوَكِيلِ الْغَائِبِ، وَكَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَائِبٍ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَبِالشُّفْعَةِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَكَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ ادَّعَتْ زَوْجَةُ غَائِبٍ أَنَّ لَهُ عِنْدَ فُلَانٍ وَدِيعَةً، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا مِمَّا فِي يَدَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>