للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إذَا شُرِطَ فِي الْخُلْعِ كَانَ إبْرَاءً بِعِوَضٍ، فَالْإِبْرَاءُ بِعِوَضٍ اسْتِيفَاءٌ لِمَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَائِمٌ مَقَامَ مَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَجُوزُ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَسَلَّفَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ جُمْلَةً، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ خُلْعٍ قَبْلَ ثُبُوتِهَا فَهُوَ إسْقَاطٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ فَلَا يَسْقُطُ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَتْ، وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ " وَقِيلَ: إنْ أَوْجَبْنَا نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ صَحَّ، وَإِلَّا فَهُوَ خُلْعٌ بِمَعْدُومٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ " يَعْنِي إنْ قُلْنَا: إنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ نَفَقَةُ زَوْجَةٍ، وَإِنَّ النَّفَقَةَ لَهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، وَإِنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ خُلْعًا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ فَقَدْ زَالَ التَّمْكِينُ بِالْخُلْعِ، وَصَارَتْ النَّفَقَةُ نَفَقَةَ قَرِيبٍ، فَالْخُلْعُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حِينَئِذٍ خُلْعٌ بِمَعْدُومٍ، هَذَا أَقْرَبُ مَا يَتَوَجَّهُ بِهِ كَلَامُهُ، وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ حِيلَةٌ فِي التَّحْلِيلِ مِنْ الطَّلَاقِ بَعْدَ الثَّلَاثِ]

[لِلتَّحْلِيلِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ]

الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِالْمَرْأَةِ، وَكَانَ دِينُهَا وَدِينُ وَلِيِّهَا وَزَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ أَعَزَّ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلَعْنَةِ اللَّهِ وَمَقْتِهِ بِالتَّحْلِيلِ الَّذِي لَا يُحِلُّهَا، وَلَا يُطَيِّبُهَا بَلْ يَزِيدُهَا خُبْثًا فَلَوْ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ مِنْ مَالِهَا ثَمَنَ مَمْلُوكٍ فَوَهَبَتْهُ لِبَعْضِ مَنْ تَثِقُ بِهِ فَاشْتَرَى بِهِ مَمْلُوكًا ثُمَّ خَطَبَهَا عَلَى مَمْلُوكِهِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَدَخَلَ بِهَا الْمَمْلُوكُ ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ، وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتُهُ وَشَرْطُهُ، وَهُوَ الزَّوْجُ؛ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ، وَلَا الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِنِيَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ إذَا نَوَى التَّحْلِيلَ كَانَ مُحَلِّلًا فَيَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِهَذَا النِّكَاحِ الْبَاطِلِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ الثَّانِي، وَلَا الْأَوَّلُ بِمَا فِي قَلْبِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا مِنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ شَيْئًا.

وَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ رُجُوعِهَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمَانِعَ عَدَمَ وَطْءِ الثَّانِي فَقَالَ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» .

وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يُحِلُّهَا، فَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِيهِ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا مَمْلُوكٌ وَوَطِئَهَا أَحَلَّهَا، وَبِذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا. قُلْت: هَذِهِ الصُّورَةُ غَيْرُ الصُّورَةِ الَّتِي مَنَعَ مِنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حِلِّهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ قَدْ اشْتَرَى الْعَبْدَ وَزَوَّجَهُ بِهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا لِيُحِلَّهَا، فَهَذِهِ حِيلَةٌ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَلَا لِلثَّانِي فِيهَا نِيَّةٌ، وَمَعَ هَذَا فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ حِيلَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>